تغطية وتصوير : محمد الأمير
في عباءة المعلم "عرام" يسير الفنان صلاح السعدني في "حارة الزعفراني" ، الرواية التي كتبها الأديب جمال الغيطاني ، وطغى بطلها الفتوة على تفكير المخرج الشاب أيمن عبيس والسيناريست ياسر عبد الرحمن ، فأمضيا سنوات ثلاث يكسران شفرة الغيطاني التي صاغها في السبعينيات عن حارة الأربعينيات ، ليجدوا فيها رصد لمجتمع ما بعد الألفية الجديدة.
كان المشهد يجمع بين السعدني ، أو العمدة كما يلقبه العاملون في المسلسل ، وأحد الشخصيات الأخرى ، حينما ارتفع صوته قائلاً : "لن نمضي ستة أيام نصور في مشهد واحد" ، بعدما أعلن عبيس عن الإعادة للمرة السادسة ، كان السعدني ممسكاً بعصاة الفتوة الكبير ، يسير في هدوء ، وبصوت لا تنقصه الجدية ، ووجه لايزال يجسد الشخصية ، يلقي جملة تثير ضحك الواقفين كلهم دون أن يبتسم حتى.
بين كل مشهدٍ وآخر كان عبيس ينادي على مساعديه لتحضير المشهد التالي ، وفي الوقت الذي يراجع فيه الأبطال حوارهم ، كان يرددها هو على شفتيه : "شرب عبد الرحمن ذلك السيناريو ، عشنا الرواية سوياً لفترة كبيرة ، وعانينا كثيراً ونحن نرسم تفاصيل كل شخصية من الشخصيات" قالها عبيس لموقع filbalad.com أثناء اختبائه من مساعديه الذين نادوه كثيراًَ لبدء التصوير.
"أكانت المهمة صعبة في حفظ التوازن بين الشخصيات في ظل وجود شخصية طاغية مثل عرام"؟.. سؤال أجابه عبيس قائلا : "عرام بطبيعته بطل الرواية ، ورجل فتوة وكبير في سنه وبين قومه ، ومؤثر بشكل قوي في الأحداث أو الشخصيات على السواء ، لكن إن لم تكن للشخصيات سماتها الواضحة فلن تتضح قوة عرام".
هذا كان ما أكده السعدني في حوار تليفزيوني أجراه بين الكواليس ، حينما رفض الكلام عن عرام فقط : "دعيني أتحدث عن العمل ككل ، فالشاب المبشر جداً عبد الرحمن كتب سيناريو متماسك يجعل العمل كلاً لا يتجزأ".
وتوضح الفنانة روجينا ذلك من خلال ثنائيتها مع السعدني : "أجسد حفيدة عرام ، والتي رغم قوة جدها وكونه الفتوة ، إلا أنها لها شخصيتها المتمردة ، ترفض أن تنشأ فتاة بيتية ، وتساير أبناء خالها الرجال ، وتحب أحدهم ثم تتركه ، لتتزوج الآخر الذي كانت تكرهه فيما قبل" ، وتستطرد روجينا : "شخصية بها الكثير من التناقضات وجديدة تماماً".
لم تخف روجينا أن من أهم مميزات المسلسل في نظرها تعاملها مع السعدني : "قدمت معه من قبل مسلسل (أوراق مصرية) لكن لم تجمعنا مشاهد ، أما هنا فأنا حفيدته التي يعشقها ، ولنا مشاهد كثيرة ، واستفدت جداً منه على المستوى الفني ، فهو دوماً يوجهني ، كما أني اكتشفته على المستوى الإنساني ، فالسعدني وعرام كلاهما أحببتهما جداً وسعيدة بأني معهما".
الفنان شوقي شامخ من أقرب الناس لعرام كذلك ، فهو يجسد شخصية "رجل من رجاله ، الذي يجد نفسه في ظله دائماً ، ومع الوقت يبدأ في التفكير في أخذ مكان عرام ، لكنه يظل مشتت ما بين رغبته في التحول للفتوة ، وما بين خوفه وولائه لعرام"..
ويرى الفنان الـ"شامخ" أن "الرواية واحدة من أنجح روايات جمال الغيطاني ، والتي لها جو روايات الأديب الكبير نجيب محفوظ ، وخاصة مجموعة الحرافيش ، وهو جو جميل يهوى المشاهد معايشته ، ونجح في أغلب التجارب السابقة .. الرهان الحقيقي هو تقديم هذه الشخصيات بشكل جديد وهو ما نجح فيه عبيس وعبد الرحمن".
عبيس عاد مشيرا إلى أن "المقارنة صعبة بالفعل حينما تتبادر إلى الأذهان حرافيش محفوظ ، والصعوبة في الحفاظ على سمات رواية (حارة الزعفراني) الخاصة وفك شفراتها ، فالغيطاني كتبها عام 1976 بعد عودته من الجبهة ، ومع أنها تدور في الفترة ما بين العشرينيات والأربعينيات ، إلا أنه عكس فيها فترة كتابتها ، وعندما أعدت قرأتها وجدتها تعبر بكل صدق عن الشارع المصري حالياً".
وأضاف عبيس : "تتجسد صعوبة العمل كذلك في تقديم أكثر من 122 شخصية كلهم شخصيات رئيسية ، بداية من الفتوة عرام إلى شخصية قد لا تظهر إلا في خمسة مشاهد ، والفترة الزمنية الكبيرة ، وتطور الشخصيات والديكور ، وعكس حالة الحرب العالمية الثانية على الحارة".
ويرى الفنان محمد فريد أن العمل لم تواجهه صعوبة ما ، "فهو عمل كبير ، يضم نجوماً كثيرين ، ويعطيه السعدني ثقل خاص ، والرواية من أهم روايات الحارة المصرية ، ومع أنه السيناريو الأول لعبد الرحمن ، إلا أنه متمكن بطريقة كبيرة ، فنحن نرى شخصية قرقر المطرب الشعبي الذي أجسده ويعيش في كنف عرام مرسومة بعناية ، وأفرد لها مساحة لانفعالتها الإنسانية ، وعالمها الخاص المختلف عن عالم الفتونة ، لذا كلي ثقة في نجاح العمل ، خاصة أنه من المقرر عرضه في شهر رمضان القادم ، والذي