القذائف تتوالى، وكرات اللهب تحرق المباني، والأحجار تتساقط فوق رؤوسنا في شارع مجلس الوزراء، بينما يقطعنا صوت ذلك الرجل عند مدخل شارع قصر العيني "أيوة البطاطا السخنة.. دفي نفسك يا أستاذ"!
هذا الرجل لا يهمه ما يحدث للثوار في الداخل، لا يهتم من سيموت أو أخر سيفقد عينه، ولا تلك التي عراها العسكر، كل ما كان يجري عليه ريقه هو "المعلوم"، باختصار هو رجل يجري على أكل عيشه رافعا شعار "خراب يا دنيا عمار يا جيبي"!
قفز مشهد ذلك الرجل عندما رأيت تامر حسني وهو ينال عاصفة من الهجوم الضاري من المصريين في الولايات المتحدة أثناء إحياءه حفلا هناك بعد يومين فقط من مذبحة بورسعيد التي ما زالت مصر تعلن حدادا- شعبيا قبل أن يكون رسميا- بسببه.
لا أعلم بالضبط ما جوانب شخصية تامر أو كيف يفكر، ولا هي أولوياته، لأني لم أره على الحقيقة سوى مرة وحيدة محمولا ومطرودا من ميدان التحرير في الأيام الـ18 الأولى من ثورة يناير بعد مهاجمته للثوار علانية على شاشات التليفزيون المصري.
كنت في البداية متعاطفا معه بدافع ثوري وهو أننا "نجمع ولا نفرق"، ولكنني علمت الحقيقة بأن النجم صاحب سلسلة عمر وسلمى التي لا تنتهي تلقى نصيحة من شخص ليس من مقربيه بضرورة النزول للميدان للاعتذار، بل واختيار موعد متأخر من الليل حتى لا يلاقي هجوما عنيفا، وبالفعل نزل في حوالي الساعة الثانية بعد منتصف الليل، ولكنه خرج منبوذا!
تامر ليس في نظر الكثيرين مجرد مطرب نختلف أو نتفق معه طبقا للأهواء الشخصية، ولكنه أصبح مثالا لنظام قديم، فهو من يذهب للتصوير مع صورة معمر القذافي عند إحياءه حفل لليبيا، وهو من يقول على مبارك "أبويا الذي يريد الجميع إهانته"، وهو من وصفه رئيس الوزراء الحبيس بأنه- بفضل كل ما سبق- مثال للشباب المصري!
أعي تماما أن تامر مرتبط بتعاقد ولا يستطيع العودة لمصر للمشاركة في عزاء الشهداء والوقوف مع المصريين المكلومين، ولم أطالبه بأن يقرأ سورة يس أو يرتل ترانيم القديس بطرس قبل أن يغني لجمهوره "رائعته" "نظمي فهمي رسمي" ولكني كنت أنتظر منهالكثير كنجم له ملايين يتابعوه، حتى ولو احتاج أن يزين وجنتيه وقتها ببعض قطرات من الجلسرين فهي تساعد على نزول دمعتين "من بتوع السيما"!
أتصور أن هتاف "ارفع راسك فوق انت مصري.. نزل راسك تحت تامر حسني"، الذي استقبل به جمهور نيويورك المطرب المصري لم يكن من باب كراهيته لهم، ولكنه عتاب شديد اللهجة وقاسي لمن قرر نسيان أحزان بني شعبه لمجرد ركوبه طائرة تبعده عنه مئات الكيلومترات!
ملحوظة: صاحب هذا المقال ليس من متصيدي أخطاء تامر حسني الفنية، لذلك فإن ما قرأته سابقا لا يعبر سوى عن انتقاد لمصري لم يشارك في هموم وطنه.
يمكنك مناقشتي عبر حسابي على Facebook
أو متابعتي على حسابي في تويتر