القاهرة (مصر) - رويترز : وسط أنقاض الحرب والتفجيرات المنظمة والعشوائية تمكن مخرج عراقي من تقديم فيلماً وثائقياً عن بغداد الجريحة ، حيث كشف أن المأساة لم تعد تتعلق بالسياسة بل اخترقت بيته وهددت حياته الاسرية بحيث يصبح كل شيء "غير صالح".
واختار المخرج العراقي عدي رشيد "غير صالح" اسما لعمله الاول الذي يعد أول فيلم يصور في بغداد بعد الاحتلال الامريكي الذي أنهى حكم الرئيس العراقي صدام حسين في التاسع من ابريل نيسان 2003.
وعرض الفيلم يوم السبت في قسم السينما العربية الجديدة بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي الذي بدأت دورته التاسعة والعشرون الثلاثاء الماضي وتختتم الجمعة القادم.
ويحاول بطل "غير صالح" وهو مخرج شاب أن يتجاوز الشخصي وصولاً لتصوير فيلم وثائقي عن مدينة يحبها لدرجة الجنون فيكتشف أن ما فعله صدام بالعراقيين لا يختلف كثيراً عما يعانيه المواطنون على أيدي القوات الأمريكية.
ويلجأ بطل الفيلم ومدته 67 دقيقة إلى توثيق يوميات المدينة النازفة برصد تفاصيل حياة أصدقائه كما يأتي صوته في كثير من المشاهد موازياً للصورة التي كانت تغني عن أي تعليق ، وخلال رحلة تصوير فيلمه لم يكن يصدق أنه لايزال على قيد الحياة.
فبغداد التي كانت حلماً في خياله أصبحت كابوساً يطارده من خلال بقايا جثث تحت الركام ورفات لجنود في مقابر جماعية "لا يعرفون قاتلوا من ومن أجل ماذا".
كان رشيد منحازاً للمدينة والبشر إنحيازاً جعله لا يكتفي بتصوير مشاهد الفيلم بل أثقل تصاعده الدرامي بتساؤلات وشروح وتعليقات ذهنية وأحكام يراها بعض النقاد كأنها وصاية على طريقة التلقي.
لكن الفيلم ينتصر للقيمة الانسانية والجمالية التي تقاوم الفناء حيث ذهب الدكتاتور وسيذهب الإحتلال في حين بقي نصب الحرية الشهير الذي أنجزه التشكيلي العراقي الرائد جواد سليم شامخاً ووحيداً في مشاهد تخلو فيها بغداد من الحياة وتصير ساحة لإستعراض دبابات ومدرعات تحمل قناصة أمريكيين.
في الفيلم تنعكس الفوضى وإفتقاد الأمان في الشارع على البيت الذي يصبح أشبه بمعتقل لميسون زوجة البطل التي تعاني انفصالاً نفسيا عن الزوج.
وظهر رشيد مخرج "غير صالح" في الفيلم الوثائقي "طريق لغروب أقل" للمخرج اللبناني باسم فياض الذي ذهب إلى العراق لأول مرة بدعوة من رشيد ليوثق تحولات بلد كان يتوقع الإحتلال لكنه فوجيء بما هو أقسى من الدكتاتورية والغزو معا حيث غابت فكرة الدولة وإختلط الضحية بالجلاد ودماء العسكريين والمدنيين على حد سواء.
وينتمي رشيد الى جماعة "ناجين" وهم على حد قوله فنانون من "جيل ضائع" يسيرون بحذر في خطواتهم الأولى بعد أن فرض عليهم الحصار والعزلة عن العالم تحت حكم صدام.
وينجز رشيد حاليا فيلماً وثائقياً طويلاً عن الحياة الثقافية في بعض العواصم ومنها القاهرة التي زارها الشهر الماضي حيث صور لقاءات مع بعض الفنانين والمثقفين كما رصد أماكن لعبت دوراً في الثقافة المصرية كمقهى الفيشاوي بحي الحسين في القاهرة الفاطمية.
وقال إنه صور "غير صالح" بإمكانات محدودة على أفلام عمرها حوالي عشرين عاما سرقت من أرشيف صدام وبيعت في السوق السوداء وبدت منتهية الصلاحية.
وقال الناقد السينمائي العراقي إنتشال التميمي الذي يزور القاهرة حالياً لرويترز أن ميزة "غير صالح" أنه فيلم عراقي صنع بأيد عراقية بداية من السيناريو الذي شارك فيه مخرجه رشيد وإنتهاء بالإنتاج الذي شارك فيه شبان متحمسون للفن وللوطن ومنهم ماجد رشيد وفرات الجميل.
وأضاف التميمي وهو المدير التنفيذي لمهرجان روتردام للفيلم العربي بهولندا أن نظرة السينمائيين غير العرب الى هذا الفيلم اتسمت بكثير من التقدير لمغامرة مخرجه الذي حرص على أن يقدم فضلا عن الافكار صورة فنية عالية المستوى.
وحصل "غير صالح" هذا العام على الجائزة الكبرى في مهرجان سنغافورة السينمائي وجائزة خاصة من مهرجان روتردام للفيلم العربي ، كما عرض خارج مسابقة مهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي في سبتمبر الماضي وسيعرض ضمن برنامج "مواهب في دبي" بمهرجان دبي السينمائي.