نقلا عن نشرة مهرجان القاهرة السينمائي 41
تكرر هوود التجربة في فيلمها «نحن بين الصخور» مستعينة بطاقم عمل فيلمها السابق خلف الكاميرا، حيث مديرة التصوير أنيماري لين فيركو، والمنتيرة كلير برينجل ومصمم شريط الصوت الحائز على البافتا بن بيرد، لتقدم عملاً سينمائيًا يشكل مع سابقه وحده تعكس اهتمام المخرجة د. ر. هوود بالقصص الإنسانية التي تدور حول العائلة وأفرادها التي تنطوي شخصياتهم في ثناياها على تعقيدات أكثر ما تبدو عليه في ظاهرها، وهو الطابع السينمائيّ الذي حقّق بشكل عام للسينما البريطانية شخصيتَها المستقلة، حيث شخصيات من الحياة اليومية يصبح ما تكشفه الأحداث عن ماضيها أو عما يربطهم ببعضهم البعض من علاقات إنسانية هو العامل الذي يدفع دراما الفيلم للأمام ويحقق عنصر الجذب للمُشاهد.
يتناول فيلم «نحن بين الصخور» حكاية عائلة إنجليزية يجتمع أفرادها في المنزل الريفي لحضور عيد الميلاد الأخير للعجوز مريان الملازمة للفراش بسبب مرضها، بينما تدور أحداث الفيلم من وجهة نظر أوين، ابن مريان، الشاب الثلاثيني الذي يكشف ذلك اليوم عن طبيعته المثقلة بالهموم والأسباب وراء ذلك والتي تكشف عنها الأحداث شيئًا فشيئًا من خلال الحوارات التي تجمعه ببقية أفراد عائلته، فتظهر علاقته مضطربةً بشقيقه داني وكذلك حبيبته السابقة كارولين التي يتسبب حضورها في توتر أوين، بينما تظهر أكثر ألفةً مع والده ريتشارد، بعكس ما ستؤول إليه الأحداث بعد ذلك حيث حقيقة الحياة الصاخبة التي عاشتها ماريان في شبابها ومثلث الحب الذي سيجعل نسب أبنائها محلّ تساؤل.
الفيلم قد يكون تجربة ملهمة لصناع الأفلام المستقلة ودارسي السينما ممن يعملون على مشاريع أفلام بإمكانيات متواضعة، حيث المكان الواحد للأحداث والقصة البسيطة إلا أن كل ما فيها يُشير كونها صادقة وحقيقة، خاصة مع الاعتماد على الصور الفوتوغرافية من حياة البطل والتي جعلت الفيلم يتنقل ما بين الدراميّ والوثائقيّ في ظل التعليق الصوتيّ للبطل في الخلفية، الأمر الذي جعل من المونتاج أحد أفضل عناصر الفيلم، وهناك أيضًا التنوع في آلات التصوير التي استعملتها مديرة التصوير لين فيركو في تصوير المشاهد ما بين المتخصصة وكاميرا الموبايل إلى جانب نظام التصوير بالكاميرا المحمولة بالتوازي مع اللقطات الثابتة.
لكن ما يؤخذ على الفيلم هو الإيقاع البطيء - وهو ليس بالشيء السيّئ بشكل عام - إلا أنه افتقر إلى المعنى خلال أحداث الفيلم الذي يعاني بطله أزمة انتماء وتطارده رغبة الخروج من منزله الريفي ليخوض تجربته الخاصة، وهو المعنى الذي افتقر إلى التطوير خلال أحداث الفيلم، فيشير إليه أوين، البطل بداية الأحداث بشكل مباشر عند لقائه لشقيقه داني، ومرة أخرى من خلال التعليق الصوتي عند مغادرته لمنزل العائلة عند النهاية، ليمضي المُشاهد بقية أحداث الفيلم وهو يتعرض لمجموعة من المشاهد ربما أفادت مفهوم ترابط العائلة، وما تمثله الذكريات، وكيف كانت الأحداث في السابق مقارنة بالوقت الحالي، إلا أنها لم تخدم المعنى بشكل جيد، وهناك أيضًا حقيقة العلاقات المعقدة والمتشابكة بين أفراد العائلة والتي كشف عنها الفيلم في وقت متأخر من الحبكة، الأمر الذي كان ليُساهم في رفع إيقاع الأحداث؛ مع الأخذ في الاعتبار أن المشاهد الطويلة والإيقاع الهادئ هما تجربة محفوفة بالمخاطر.
لكن يُحسب لـ د. ر. هوود استخدامها لتنوع اللقطات والتنقل بين الثابتة والمهتزّة للتعبير عن الحالة المزاجية لشخصيات فيلمها والتعبير عن مدى ترابط أفراد تلك العائلة أو بعدهم عن بعضهم البعض، وتمتد تلك الحالة لتصنع نوعًا آخر من الترابط بين شخصيات الفيلم والجمهور خاصةً في اللحظات التي اعتمدت فيها هوود على اللقطات القريبة الثابتة والإضاءة الطبيعية للمكان وفي الغالب هي الضوء القادم من النافذة لتنعكس على وجوههم، وهناك أيضًا الأحاديث الجانبية التي كانت تدور بين شخصيات الفيلم في أماكن متفرقة من المنزل على غير هدى والتي أضفت على الحوار شيئًا من العفوية، ليأتي فيلم «نحن بين الصخور» لمخرجته د. ر. هوود تجربة تستحق الاهتمام.