في نفس هذا التوقيت من العام الماضي، كان الحديث عقب انتهاء مهرجان تيلورايد السينمائي عن الواقعية السحرية لفيلم The Shape of Water لجييرمو ديل تورو، والمكياج والموسيقى التصويرية في فيلم The Darkest Hour لجو رايت، لكن لم تتمكن أفلام أخرى من إحداث ضجة كبيرة ولفت الانتباه قبل انطلاق موسم الخريف.
هذا العام الأجواء مختلفة تماما، بحسب ما يؤكد الناقد إريك كون في IndieWire، قائلا: "في هذه الدورة، نحن مغرمون بحالة الغموض وشحنة العواطف التي يقدمها ألفونسو كوارون في فيلم Roma، والصراع على السلطة في المملكة البريطانية الذي يعرضه يورجوس لانثيموس في The Favourite. كما أن فيلم داميان شازيل First Man الذي يبدو مرشحا تقليديا لموسم الأوسكار، ليس نجمه الحقيقي الممثل رايان جوسلينج وإنما المهارة السينمائية الاستثنائية التي نجحت في تحويل إنجاز علمي أيقوني إلى رحلة مرعبة وحميمية في آن واحد".
يوضح كون إلى جانب زميله الناقد ديفيد إرليخ، في تقرير مشترك أهم فعاليات الدورة الأخير من مهرجان تيلورايد التي أسدل الستار عليها أمس الاثنين 3 سبتمبر، ويكشفان عن الأسباب التي جعلت الموسم السينمائي المنتظر يبدو أفضل من المعتاد.
يشير كون إلى أن الأفلام الثلاثة التي ذكرها تهتم بالبيئات التي تدور فيها الأحداث كما تهتم بقصص الشخصيات التي تعيش بها؛ القاعات الفوضوية في المملكة البريطانية، والتجارب التي تحدث داخل معامل ناسا، ومدينة المكسيك الممزقة في بداية السبعينيات، كلها ليست أماكن جديدة، لكننا لم نراها قط تقدم من هذه الزوايا الذاتية من قبل.
هذه الفكرة المتعلقة بأصلية العمل السينمائي واضحة بقوة في برنامج أفلام مهرجان تيلورايد هذا العام. وقد تجلى ذلك مع الفيلم السويدي Border، الفائز بجائزة مسابقة "نظرة ما" في الدورة الأخيرة لمهرجان كان السينمائي، والفيلم الكولومبي Birds of Passage، اللذين قدما شخصيات وأحداث لم تتناولها السينما من قبل. يضيف الناقد أن الجمهور عادة مرهق ومضطر لمشاهدة أي شيء يظهر أمامه أثناء تصفحه لـNetflix، لكن هذا الموسم صُنعت أفلامه تحت شعار أن الدراما الجيدة متماسكة الأداء التمثيلي لم تعد كافية.
يستدرك كون ليؤكد أن هذا لا يعني أنه لم يعجب بأفلام ذات طابع تقليدي مثل The Front Runner لجيسون ريتمان، الذي يتناول حكاية جاري هارت، السيناتور عن ولاية كولورادو الأمريكية والمرشح الديمقراطي المحتمل في 1988، الذي سرعان ما تعرّضت حملته الانتخابية للانهيار، وخرج من المنافسة بسبب علاقته السرية بعارضة الأزياء دونا رايس. إلى جانب فيلم Boy Erased لجويل إجيرتون، الذي وصفه بالطويل من حيث المدة، لكن جاد ويحمل أداء تمثيلي قوي يقدمه لوكاس هيدجز. يشار إلى أن الفيلم مأخوذ عن مذكرات جارارد كونلي، ويتناول حياة شاب يجبر على الالتحاق في برنامج للتعافي من المثلية الجنسية تابع للكنيسة.
يختتم كون حديثه بـ"ربما في عام آخر، كان سيتم التعامل مع هذين الفيلمين على اعتبار أنهما حصيلة تيلورايد، لكننا نعيش في أوقات مختلفة الآن؛ تشجع الأفلام التي تعرض لنا العالم من وجهات نظر جديدة".
يوافق الناقد ديفيد إرليخ على رأي زميله، مؤكدا أنه غادر المهرجان مقتنعا بأن هذا الموسم الأكثر إثارة منذ 1999. أي في العام الذي طرحت فيه شركات الإنتاج أفلاما مثل Magnolia، وElection، وThe Straight Story، وBeing John Malkovich، في نفس التوقيت.
ولفت إلى أن مهرجان تورنتو السينمائي لم ينطلق بعد، أي أن هناك المزيد من الأفلام الجيدة التي قد تنال الإعجاب نهاية الأسبوع الجاري. مضيفا أنه ينتظر أعمال مخرجين مثل باري جنكينز المشارك بفيلم If Beale Street Could Talk، وكلير دينيس صاحبة فيلم High Life، إلى جانب فيلم Window لستيف ماكوين.
يتطرق إرليخ إلى الدورة الأخيرة من مهرجان كان السينمائي التي غاب عنها بعض من الأفلام المهمة، موضحا أن الرد الدائم على هذا التعليق يكون بالإشارة إلى وجود العديد من المهرجانات السينمائية التي تنطلق في فصل الخريف. ويوضح أنه على المدى القريب، لم يحتج المهرجان إلى فيلم Roma ليضمه إلى برنامجه القوي، لكن من ناحية أخرى سيظل هذا العمل الرائع المهم آخر ما سيتم ذكره في هذا العام. تجدر الإشارة إلى أن الفيلم كان من بين الأفلام المستبعدة من المسابقة الرسمية لكونه منتج من قبل شبكة Netflix، وقد حدثت أزمة بين الشركة الأمريكية وإدارة المهرجان لأن سياستها لا تتبنى طرح الأفلام في دور العرض السينمائية التقليدية.
يتابع موضحا أن الحديث قبل بدء المهرجان كان عن آخر أعمال المخرج الراحل أورسون ويلز، The Other Side of the Wind، الذي تولت شبكة Netflix استكماله وتجهيزه للعرض السينمائي. لكن بعد ليلة الافتتاح تمحور الحديث حول فيلم Roma. يصف إرليخ الفيلم بأنه أعاد المخرج فيديريكو فليني من الموت، لكن هذا لا يعني أن هذه التحفة السينمائية تدور في نفس الفلك الذي صنعه فيلليني فقط، وإنما تتلاقى مع أعمال أندرية تاركوفسكي، وشانتال أكرمان ، ولوكريشيا مارتيل. ويشدد على أن الفيلم ينتمي إلى مخرجه ألفونسوا كوارون، أكثر من أي شيء آخر.
ويكشف إرليخ أن ما دفعه إلى تشبيه العام الجاري بعام 1999 تحديدا، أنه في أي موسم آخر يكون هناك فيلم أو اثنان فقط جيدين، لكن هذا العام صناعة السينما متألقة على غير العادة.
اقرأ أيضًا:
دورة استثنائية لمهرجان فينيسيا السينمائي.. استغلال خلاف Netflix وتحدي كبير أمام هؤلاء
احتفاء بفيلم First Man بعد عرضه العالمي الأول في فينيسيا السينمائي.. دراما وثائقية تحبس الأنفاس