تدخل مباني حي مصر الجديدة في قلبي بهجة غريبة ، أشعر بفخر غريزي وأنا أنظر إلى مبانيها مع أني لست من سكانها ، أحب الترجل تحت أشجارها ، والسير أمام قصر البارون والمباني المجاورة بالسيارة في ليلها شبه الخالي من المارة والسحب السوداء.
لكني أحب كذلك تراب الأزقة في حي الأزهر والحسين ، أعشق الوجوه المتعبة العائدة من العمل في سيارات الأجرة بحي بولاق الدكرور ، وتأسرني في الوقت نفسه ضحكات الشباب وتعليقاتهم على المقاهي ومراكز الإنترنت في الجيزة وشبرا.
ومثلما أحببت فيلم "في شقة مصر الجديدة" للمخرج العبقري محمد خان أحببت فيلم "واحد من الناس" لأحمد نادر جلال وتجربته الكوميدية في "كده رضا" ، و"أحلام حقيقية" التجربة الأولى لمحمد جمعة ، و"الأولة في الغرام" لمحمد علي ، وأضحكني "تيمور وشفيقة" لخالد مرعي ، وأعجبتني "عجميستا" لطارق عبد المعطي و"45 يوم" لأحمد يسري.
وعلى الرغم من اعترافي أن السينما المصرية لا تقدم ما ينتظره جمهورها كل عام ، إلا أني أرفض ما قالته إدارة مهرجان الإسكندرية السينمائي السابق الذي برر اختفاء الأفلام المصرية في المسابقة الرسمية ، وهو أن السينما المصرية لم تقدم فيلماً يرقى للدخول في المسابقة ، ثم يأتي ترشيح فيلم "شقة مصر الجديدة" ليصبح الفيلم المصري الوحيد المرشح من مصر للمسابقة على أوسكار أفضل فيلم أجنبي.
ومع بداية مهرجان دمشق السينمائي الخامس عشر أكتشف أنه - شقة - الفيلم المصري الوحيد المشارك في المسابقة الرسمية ، على الرغم من وجود العديد من نجوم السينما المصرية في المهرجان ، إما كضيوف أو مكرمين أو محكمين في لجانه ، وهى الصورة التي تكررت في مهرجانات السينما في أكثر من دولة في المنطقة ، وخاصة مهرجانات دول الخليج الناشئة والتي صارت تجتذب العديد من نجوم العالم وليس مصر فقط.
تصريحات المسئولين عن مهرجان الإسكندرية المصري ، والصورة المتكررة لوجود شرفي فقط لفنانين مصريين في المهرجانات الدولية بدون فن مصري ، ووجود ذلك الكم المتزايد من الأفلام المصرية ونوعياتها المتجددة بغض النظر عن جودة تنفيذها ، جعلني أطرح على نفسي أسئلة لم أصل إلى إجابتها فقررت مشاركتها مع غيري لنصبح زملاء في الحيرة.
ما هو معيار فيلم المهرجانات؟ وإذا كانت أفلام المهرجانات لا تنجح مع الجمهور ، فلماذا كان فيلماً مثل "قص ولصق" للمخرجة التي أعشقها هالة خليل ناجحاً مع الجمهور وفي نفس الوقت حاصداً لمعظم المهرجانات التي شارك بها؟ ، ما الذي كان فيه وافتقدته غيره من الأفلام ، وافتقدته الأفلام المنتجة في هذا العام لتعجز عن تمثيل مصر ليس فقط في المهرجانات الأجنبية ، بل وفي مهرجاناتها المقامة على أرضها؟
هل هناك حالة من فصام الشخصية نعيشها في عالم الفن السابع المصري؟ بمعنى آخر لماذا نقيم مهرجانات إذا كنا لن ننتج ما يصلح لها؟ ولماذا نشارك في تحكيم أو حضور مهرجانات لا ننفذ مثل أفلامها؟
فما أعرفه أن الفنان القدير عزت أبو عوف هو رئيس مهرجان القاهرة السينمائي الدولي ، كما يرأس المنتج والكاتب ممدوح الليثي جمعية كتاب ونقاد السينما المنظمة لمهرجان الإسكندرية السينمائي ، فلماذا إذن لا ينتج الليثي من خلال جهاز السينما الذي يرأسه أفلاماً تصلح للمهرجانات ، ولماذا يشارك أبو عوف في أفلام مثل "عمر وسلمى" و"أيظن" إذا كانت هذه الأفلام سترفضها لجان المهرجانات الفنية؟
قد لا أقدم إجابات وقد تعجزون مثلي عن تقديم تفسيرات ، لكني أنتظر الدورة الواحدة والثلاثين لمهرجان القاهرة وأتمنى أن تحمل إجابات تعطي أملاً لتقريب محتمل بين شباك التذاكر ومنصات التتويج السينمائية ، ومصداقية أكبر لمرتادي المهرجانات عندما تنجح أفلامهم التجارية في المنافسة على الأقل في المسابقات الرسمية.