بعد إلحاح المحيطين بها على دخول الساحة الغنائية ، أخذت مي حريري خطوة لم تفكر فيها من قبل ، وكعادتها تركت التوقيت والطريقة في يد الله ، لا تتوقف عن التفكير في الأغنية القادمة ، وأما أسلوب الاختيار ومصير الأغنية ففي يد الله ، مثلما غنت من أجل لبنان بلدها "لا ما خلصت الحكاية" بعد اغتيال الحريري ، وترى في حوارها مع موقع FilFan.com أن الله وحده يعلم متى يخرج لبنان من أزمته.
الموقع : لماذا يرى البعض تأخر دخولك إلى الساحة الفنية؟
مي حريري : لأن الوسط الفني في لبنان يعرف اسمي كسيدة مجمتع بارتباطي بزوجي السابق الموسيقار الكبير ملحم بركات من قبل ظهوري كمغنية ، كما أن من قالوا إن بإمكاني خوض تجربة الغناء كثيرون ، ولكن لظروف خاصة لم أتمكن من فتح الباب لهذه الموهبة ، وربما إذا دخلت من قبل ما كنت لأصل لهذا النجاح.
الأهم من التوقيت هو ما وصلت إليه الآن ، ففي ذلك الوقت الذي طالبني أناس فيه باستغلال صوتي بدأت كثيرات مسيرتهن الفنية ، ولكنهن لم يصلن إلى النجومية إلا في الوقت الذي بدأت فيه أنا ، وأرى أن هذا توفيق من الله ، اختصرت من خلاله مسافة طويلة للوصول إلى النجومية.
الموقع : وكيف تتعاملين مع هذا الشعور المبكر بالنجومية؟
مي : بخوف وحذر شديدين ، لأنه أصبح علي تحمل مسئولية كل خطوة جديدة أتخذها ، ومع كل نجاح جديد يتزايد هذا الشعور ، فمثلاً حتى الآن لا أنسى ليلة غنائي في دار الأوبرا المصرية ضمن الحفلة التي تدعهما منظمة اليونيسيف ، والتي غنيت فيها بهذا العمر الفني القصير في نفس المكان الذي وقف فيه نجوم وعمالقة الغناء العربي ، وفي حفل حضره نجوم عالميون وعرب زادوا من شعوري بالمسئولية ، ولكن النجاح الذي خرجت به من الحفل جعلني أزيد إيماني بأن ما أعايشه هو تقدير الله ، وهكذا أعيش حياتي ، أينما يريدك الله ستكون.
الموقع : قولك هذا يؤكد وصفك لنفسك كثيراً بأنك امرأة "عفوية"
مي : نعم كثيراً ما أصف نفسي بذلك ، لأني أعيش حياتي بهذا الأسلوب ، كما أن كوني عفوية يعني اعتمادي الكامل على الله في كل شيء ، حتى في علاقاتي مع الناس حولي ، كثيراً ما يوفقني الله إلى كشف مقربين لي يعاملونني بطريقة جيدة وفي الباطن يخبئون أحقادهم ، ولهذا أفعل ما أريده في الوقت الذي أريده ، تاركةً النتيجة على الله.
الموقع : كيف تنعكس تلك المواقف عليك كفنانة؟
مي : في حيز ضيق جداً ، فأنا مثلاً لن أتحدث في وسائل الإعلام عن مواقفي الخاصة ، حتى لو كانت تؤلمني ، لأني أرى أن حياة النجم الخاصة لا تعنيه هو فقط ، بل تمس كل من حوله ، وإذا تحدثت عن حياتي الخاصة ، سأتحدث عن أهلي وأقاربي وهم أناس غير مطالبين بدفع ضريبة الشهرة التي أعيشها أنا.
وعلى المستوى الفني فإن البهجة التي أشعر بها على المسرح تساعدني في التغلب على تأثير تلك المواقف ، ولكني لا أخطط مثلاً لتقديم أغنيات تعبر عن أحاسيسي في تلك الفترة ، أعيش الأزمة بشكل عفوي ، ولا أطلب مثلاً أغنية تعبر عن الموقف ، وأحاول أن يسرقني فني وأعمالي وحفلاتي مما أعانيه.
الموقع : ألا ترين أن دخولك جاء في وقت مزدحم بالأصوات المغنية؟
مي : وما هي المشكلة في وجود كم كبير من المواهب الفنية ، ألا يساعد ذلك على ظهور أصوات جديدة ، ويفتح الباب لمواهب ما كانت لتنطلق بسهولة ويعرفها الناس ، قد يظلم هذا الزحام كثيرين ، ولكن الأهم في النهاية هو من يوفقه الله إلى النجاح ، فمثلاً النجم الكبير عمرو دياب يتمتع بمساحة جماهيرية لا تقارن في الوطن العربي ، على الرغم من أن الفنان علي الحجار يتمتع بصوت قوي جداً لكنه قد لا يصل إلى هذه المساحة الجماهيرية ، بمعنى آخر قد لا يحقق النجاح التجاري.
الموقع : وما هو العنصر الفريد لديك بين مغنيات جيلك للوصول للنجاح؟
مي : لا أستطيع أن أحدد لك هذه النقطة بعد ، لأن الأمر مرهون بمشوار طويل سأقطعه حتى نهايته ، وقد تختلف البداية مثلما كان الحال مع الأسطورة الراحل عبد الحليم حافظ ، والذي رفضه الجمهور في البداية ، ولكن حتى الآن الكل يعشقه ، وأنا خاصة أذوب مع أغنياته ، وقد تحقق مغنية نجاحا كبيرا مع أول أعمالها ، ولكن فيما بعد تخفت نجوميتها السريعة ، وينصرف عنها الجمهور ، لذا أرى أن هذا العنصر الذي تسألني عنه يرجع إلى الله ، والتوفيق الذي يتوفر أو ينعدم لدى البعض ، ما سيكتبه لي الله سيكون.
الموقع : وهل ستتأخر خطوة دخولك عالم السينما مثل خطوة في الغناء؟
مي : لا الفكرة قائمة ، ولكني أحتاج إلى التركيز على مكاني في الساحة الغنائية حالياً ، والسعي إلى مزيد من النجاح ، وتقديم حفلات تقربني أكثر من الجمهور.
الموقع : وحتى يأتي موعد دخولك السينما ، هل ستدرسين التمثيل؟
مي : لا ، إذا رأى أحد في الموهبة التمثيلية فسأحاول تنميتها بالشكل العملي ، فأنا عن نفسي لا أدري إذا كنت أصلح كممثلة أم لا.
الموقع : ولكنك قدمت فيلم "الدرس الخامس"
مي : هذه تجربة خاصة ، وهو فيلم قصير ، يوصل رسالة خاصة ، عن حياة المرأة الشرقية ، شاركت فيه ضمن توجيه المخرج فيليب سكاف ، وليس كممثلة محترفة ، ولكني سعيدة بهذه التجربة التي تحكي صراع الحضارات ، وأجسده من خلال امرأة شرقية ممنوعة من الكلام ، وتعشق رجلاً أمله السفر إلى المريخ.
الموقع : وكيف ترين نفسك كمغنية؟
مي : لا أدري ، الفنان إذا وصل لوقت ما يقول فيه إني ناجح ، وكأنه وصل إلى قمة الفن ، سيعود إلى الصفر مرة ثانية ، لا يهمني مدى النجاح الذي حققته أغنياتي المصورة ، أو الألبوم الأول ، المهم أني مع كل عمل جديد أشعر بنفس الرهبة والمسئولية ، وتحديد مكاني في الساحة سيأتي من الجمهور.
الموقع : وما هي خططك للوصول إلى القمة من وجهة نظر الناس؟
مي : لا أخطط في الفن ، فأنا أمامي مشوار طويل ، أركز في كل خطوة بمفردها ، لا أحب التخطيط ، أرى دائماً أنك يمكن أن تضع خطط في منتهى الروعة والدقة ، ولكن الله لا يريد تحقيقك لها ، فلن تحققها ، لذا أركز في أية أغنية سأقدمها ، وفي الانتشار بالحفلات في الوقت الحالي ، وما بعد ذلك ففي يد الله.
الموقع : كيف تحددين ملامح مشروعك الغنائي المستقبلي؟
مي : أنا أثق في فريق العمل معي ، وهم يخططون بحرفية وأنا أسير على هداهم ، أما أنا فهميّ الأول الوصول إلى حب الناس بأية طريقة ، وتقديم الغناء الذي أحبه.
الموقع : أيعني هذا عدم تخطيطك المسبق لأعمال حققت النجاح مثل أغنية "جاني"؟
مي : رفضت هذه الأغنية عندما عرضت في البداية ، ولكني عدت ورأيت أن غنائي بلغة الأوردو سيفتح لي وللغناء العربي سوق جديد في الهند وباكستان ، وأعجبتني الفكرة ، ولاقت النجاح الذي أوصلني إلى تكريم الرئيس الباكستاني برويز مشرف لي ، وهو ما جعلني أبحث مع فريق العمل على عمل يحمل الطابع العربي في لحنه ويحقق النجاح مع الجمهور العربي لنترجمه ، لنستغل نجاح الخطوة الأولى باتباعها بخطوات تجعلها مشوار ناجح.
الموقع : أنت لم تغن بلغة مختلفة فقط ، ولكن أغلب أغنياتك كانت باللهجة المصرية
مي : اللهجة المصرية من أكثر اللهجات انتشاراً في الوطن العربي ، وتقترب منها لهجتنا اللبنانية ، وأنا أشعر وكأنها ليست غريبة عني عندما أغني بها ، لأننا نسمعها من صغرنا في الأفلام المصرية والمسلسلات ، ونحفظ مرادفاتها بشكل تلقائي.
الموقع : وبدأت الآن في تقديم أعمال باللهجة الخليجية
مي : نعم ضمن محاولاتي الدائمة للوصول إلى الجمهور العربي في أي مكان ، كما أن أغنية "دنا" التي قدمتها في ألبوم "حبيبي انت" كانت باللهجة البيضاء ولا تحمل لكنة محلية جداً أو مرادفات صعبة علي أو على الأوطان المختلفة ، فمثلاً هناك لهجات صعبة علي لم أقترب منها مثل لهجات المغرب العربي.
الموقع : مع اقتراب الذكرى الثالثة لرحيل الرئيس رفيق الحريري ، والذي قدمت لروحه أغنية "لا ما خلصت الحكاية" ، كيف ترين الحال في لبنان؟
مي : الله يكن بعون لبنان ، الله يرحمه الشهيد الحريري ، من يوم استشهاده ولبنان في خراب ، وأنا حزنت كثيراً لفقده ، وحزنت أكثر للشهداء الذين فقدناهم ، وللحرب التي دارت رحاها بنا ، فأنا من جنوب لبنان ، وأعرف ما عانته أسر شهداء حزب الله وشهداء الشعب اللبناني ، ومنهم أخي.
الموقع : ولكن ما يدور في الساحة السياسية بعد الحرب قد لا يبشر بخير
مي : الناس شبه تائهة ، بعض السياسيون يبحثون عن تحقيق مصالح خاصة في وسط هذه الفوضى ، ولكن الشعب اللبناني واعي ، وسيخرج من هذه الأزمة ، وأتمنى أن يوفقنا الله إلى الوصول إلى بر الأمان.
الموقع : وما هو دور الفنان اللبناني؟
مي : الوضع صعب داخلياً خاصة بالنسبة لمنظمي الحفلات في لبنان ، أما النجوم اللبنانيين فوجدوا أنفسهم في حفلاتهم في أرجاء الوطن العربي ، فالفنان بلا هوية ، ووطنه دائماً في قلبه حتى إن لم يكن يسكن فيه ، أما ما قد يعكسه الفن اللبناني من حالة الشارع السياسي ، فهو مثل الناس في حالة فقدان توازن بعض الشيء ، لذا يحرص فنانون كثيرون على تقديم الفن الصرف دون السياسي.
الموقع : نعود إلى أعمالك الغنائية ، حققت نجاح كبير مع تصوير أغنية "هسهر عيونو" كيف جاءت الفكرة؟
مي : الكليب فكرتي ، أنا أحب التقليد كهواية ، وأردت استغلالها ، كما أردت إظهار حبي لهؤلاء النجمات ، وكانت الأغنية كدعابة ، سواء مع إليسا أو هيفاء أو نوال أو نانسي ، وحتى شيرين التي لم أكن قد تعرفت إليها بعد ، أعجبتها الأغنية ، فهن في النهاية صديقاتي أو زميلاتي وتقبلنها بحب.
الموقع : لماذا على الرغم من تقديمك لأغنية "فلاحة" بلهجة صعيدية ، إلا أنك قدمت في الكليب فلاحة أجنبية؟
مي : أحب المزج في الأعمال ، بين ما هو شرقي صرف وما هو غربي ، لا أحب التطرف لحساب طرف على آخر ، ولهذا لم أرد أن يصبح الأمر ضارباً في الشرقية ، وهكذا قدمنا الأغنية والحمد لله أحبها الناس بهذا الشكل ، ولذا عندما يأتي أحد ويسألني مثل سؤالك هذا أقول إن هذا نصيب الأغنية ، وهكذا أحبها الناس ، فلا مجال للماذا.
وهذا نفس الشيء الذي سأفعله مع الأغنية الجديدة "حسن" هي أغنية شعبية إلى حد كبير ، لكني سأصورها بشكل حديث ، ولفتاة ليست بالضرورة تكون شعبية.
الموقع : إلى جانب أعمالك الفنية ، لك إسهامات في مجال العمل الانساني والخيري ، ألن تعكس أعمالك يوماً هذا الجانب ، أم تحرصين على حصره خارج فنك؟
مي : أنا أحب هذه الأنواع من الأعمال ، وأشعر بسعادة غير عادية إذا وفقت لمسح دمعة في عين طفل ، أو رسم بسمة على شفاه مريض ، ولذا لا أتردد في قبول أي عرض للمساهمة في عمل خيري ، مثلما كان الحال في حفل دار الأوبرا تحت إشراف اليونيسيف بعنوان "معاً من أجل أطفالنا" ، وقدمت وقتها أغنية تقول كلماتها : "عشان الخير يعم الكون ، عشان أطفالنا يرتاحوا ، عشان ابنك وابني يكون ، تعال نداوي بجراحه .. من مصر أم الدنيا اتحدوا معانا ، عشان أطفالنا ما يكونوا في يوم ذكرى ، من مصر ست الدنيا اتحدوا معانا ، عشان أطفالنا يشوفوا النور بكره" ، وهناك تفكير في تصوير هذه الأغنية ، لأن أطفالنا هم المستقبل.
الموقع : ما الذي مثلته لك جائزة أوسكار الفيديو كليب عام 2005؟
مي : حصول الفنان على جائزة أمر يسعده جداً ، ويزيد مسئوليته ، وكنت في غاية السعادة بهذه الجائزة ، وبهذا المهرجان.
الموقع : وإذا عرض عليك اختيار جائزة واحدة من بين أفضل صوت نسائي وأفضل مبيعات غنائية؟
مي : (بعد تفكير طويل) لا أعرف ، أتمنى الحصول على الإثنين ، أن أحقق مبيعات جيدة ، ونجاح فني على مستوى الصوت ، لأن هناك الكثير من النجوم في سباق مبيعات الكاسيت ، لكن على مستوى الحفلات فنجاحهم محدود ، وهناك فنانون مثل محمد الحلو ومحمد ثروت وعلي الحجار ، الناس تتقاتل على حضور حفلاتهم ، رغم أن مبيعاتهم قد لا تعبر عن ما يتمتعون به من امكانيات صوتية.