3 أفلام فقط استطاعت أن تحجز لصاحبها مقعدا متقدما في قطار المبدعين، واستطاعت أن تجعل دارس الفلسفة واحدا من هؤلاء الاستثنائين الذين يجود بهم الزمن بين الحين والآخر، تركيبته الخاصة جعلته نموذجا متفردا استطاع أن يتواجد بقوة وسط قائمة من أهم مخرجي السينما العربية، لدرجة أننا عندما نريد أن نذكر أهم مخرجي السينما في مصر والعالم العربي لابد وأن يكون من بينهم اسم رضوان الكاشف.
في البدء كانت الفلسفة
رضوان مصطفى رضوان الكاشف الذي ولد في مثل هذا اليوم 6 أغسطس عام 1952 بحي السيدة زينب القاهري، والحاصل على ليسانس الآداب قسم الفلسفة من جامعة القاهرة سنة 1978، وكان من أوائل دفعته، التحق بعدها بالمعهد العالي للسينما وتخرج منه في سنة 1984، ليقدم مشروع تخرجه والذي لفت إليه الأنظار، وهو الفيلم القصير "الجنوبية"، وهو الفيلم الذي حاز على درجة الامتياز من لجنة تحكيم مشاريع التخرج لطلاب معهد السينما، والتي كان يرأسها الراحل شادي عبدالسلام، ومن أبرز أعضائها المخرج الكبير صلاح أبو سيف والمونتير والمخرج كمال أبو العلا، والذي فاز أيضا في سنة 1988 بجائزة العمل الأول من وزارة الثقافة المصرية في سنة 1988.
بدأ الكاشف حياته الفنية كمساعد مخرج فيما يقرب من 20 فيلما، ومع عدد كبير من المخرجين من بينهم يوسف شاهين، وداوود عبدالسيد، ورأفت الميهي، وعلاء محجوب، ووحيد مخيمر وغيرهم، إلى جانب أنه قدم في سنة 1992 فيلمه الأول "ليه يا بنفسج" من تأليفه وإخراجه، وشاركه في الكتابة سامي السيوي، ومن بطولة فاروق الفيشاوي ونجاح الموجي وأشرف عبدالباقي وحسن حسني وشوقي شامخ ولوسي وبثينه رشوان.
منذ إطلالته الأولى كمخرج أيقن الجميع أننا أمام استثناء جديد يضاف إلى قائمة مبدعي السينما المصرية، وفاز فيلمه الأول بعدد من الجوائز، منها جائزة لجنة التحكيم من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في سنة 1992، وجائزة أفضل فيلم من مهرجان باريس، وجوائز أفضل فيلم وأفضل إخراج وأفضل سيناريو من مهرجان المركز الكاثوليكي للسينما.
رضوان الكاشف فليسوف المغامرة
ليتوقف بعدها رضوان الكاشف عن العمل لمدة 6 سنوات، ليعود بعدها بأحد أهم أيقونات السينما المصرية فيلم "عرق البلح" في سنة 1999، وهو الفيلم الروائي الأول الذي كتبه الكاشف لأنه قام بكتابته قبل فيلم "ليه يا بنفسج"، وظل حبيس درج مكتبه يعرضه على أصدقاء، ليرد الجميع بنفس الجملة: "سيناريو رائع بس محدش هاينتجه"، ليظل الحلم يراود الكاشف إلى ان يستطيع الحصول على منح من أكثر من جهة سينمائية أوروبية وبمشاركة شركة "أفلام مصر العالمية"، ليعرض الفيلم في دور العرض المصرية لمدة أسبوع واحد فقط، بينما تستضيفه قاعات العرض الفرنسية لمدة تجاوزت الستة أشهر، وحصد الفيلم 27 جائزة دولية.
لوسي على الملصق الدعائي لفيلم "ليه يا بنفسج"
شيريهان ومحمد نجاتي في لقطة من فيلم "عرق البلح"
فيلم "عرق البلح" الذي اعتبر مغامرة سينمائية جريئة للغاية، من حيث اختيار الموضوع وطريقة السرد واختيار أماكن التصوير واختيار الأبطال جاء ليكون واحدا من درر السينما المصرية، من حيث الاختلاف، سواء كان ذلك في افتتاحية الفيلم التي جاءت رائعة ومكثفة إلى أقصى درجة، أو في استخدام تباين اللغة بين العربية الفصحى في الافتتاحية، والتي كان بطلها الفنان الراحل عبدالله محمود، وعامية أهل النجع طوال باقي أحداث الفيلم جاءت لتؤكد على الفارق الزمني بين ما تراه وما سوف تراه بعد ذلك.
شاهد إعلان فيلم "عرق البلح"
ليعود الكاشف بعدها في سنة 2001 من إنتاجه وإخراجه وتأليف سامي السيوي، ليقدم فيلمه الأخير "الساحر - نظرية البهجة"، وهو الفيلم الذي أثار ضجة كبيرة وقت عرضه، لما فيه من جرأة في الطرح والمشاهد، بل واختلافه الشديد عما كانت تنتجه السينما المصرية في بداية الألفية الثانية، وهو الفيلم الذي فاز بعدد من الجوائز، من بينها الصقر الذهبي من مهرجان روتردام للفيلم العربي، والجائزة الذهبية من مهرجان دمشق السينمائي.
محمود عبد العزيز في لقطة من فيلم "الساحر"
رضوان الكاشف كاتبا وسياسيا
لم يكن الكاشف مخرجا سينمائيا فحسب، بل كانت له إسهامات في مجال الفلسفة مجال دراسته الأول؛ إذ قدم الكاشف للمكتبة المصرية كتابين وهما "الحرية والعدالة في فكر عبدالله النديم"، وكتاب "قضية تجديد الفكر عند زكي نجيب محمود".
إضافة إلى نشاطه السياسي، إذ كان الكاشف واحدا من الذين وجهت إليهم تهم التحريض والشغب، وإنشاء منظمة تهدف إلى قلب النظم السياسية والاجتماعية والاقتصادية للدولة باستخدام القوة والإرهاب والوسائل الأخرى غير المشروعة في الإنتفاضة الشعبية في سنة 1977، والتي أسماها السادات بـ "انتفاضة الحرامية"، وجاء اسمه في عريضة الاتهام التي قدمتها السلطات المصرية للقضاء، وهو المتهم رقم 61 في القضية، والتي أصدرت المحكمة حكمها التاريخي فيها ببراءة أغلب المتهمين فيها، وباعتبارها انتفاضة شعبية لا "انتفاضة حرامية"، مثلما أسماها النظام السياسي وقتها، كما اعتقلت السلطات الكاشف في اعتقالات سنة 1981.
ليعود بعدها الكاشف الى القاهرة ويستعد للبدء في فيلمه الجديد "عقبال عندكم" للسيناريست سيد فؤاد، ولكن تداهمه أزمة قلبية يتوفى على إثرها عن عمر ناهز الخمسين عاما، بعدما ضمن بأفلامه الثلاثة مكانة متميزه في مسيرة السينما العربية.