قامت الثورة، وكان لها من المؤيدين من الشعب المصري العدد الكافي لدعمها لجعلها ثورة شعبية لها شرعيتها الخاصة.
إفترقت وجهات النظر ونوع المشاركات مع الثورة، هناك من حفز لها، هناك من دعمها بكل ما أوتي من قوة، هناك من دعمها من خلف شاشات التلفاز، وهناك من دعمها بأضعف الإيمان، بقلبه.
وهناك على النقيض من حاول قمعها، ومن حاول محاربتها، بالسلاح أو بالإعلام، أو بالتشويه والسب والقذف، وهناك من قرر أن لا يعطيها الشرعية ولم يعترف بها، لدرجة أنها بالنسبة له مجرد فوضى، وهناك من كان يدعمها وتخلى عنها في أي وقت لإنه غير من وجهة نظره.
كل الاحترام لكل وجهات النظر، وكل التحقير لكل الجرائم التي اقترفت، ليس في حق الثورة فقط، بل في حق تحقيق عدل الله على الأرض.
أكتب هذه الرسالة ببعض من الحزن والكثير من الأمل، لتوصيل وجهة نظر لمن لم يغلق أذنه بعد، ومازال يحظى بالقليل من الموضوعية والبحث عن الحقيقة.
أكتبها لكل من يسب الثورة، أو الشباب الذين قاموا بها، أكتبها لكل من لا يعطي الثورة حقها ويظنها ثورة "شوية شباب جمال نزلوا ميدان التحرير رجعولنا الكرامة" أكتبها لكل من يتساءل "هم العيال ديه عايزين إيه؟ مش كفاية كده؟" أكتبها لكل الخائفين من غياب الأمن أو على مستقبل مصر، أكتبها لكل من يظن أن الثورة تغالي أو تتمادى، أكتبها لكل من يقول "مش كل مصر ميدان التحرير".
أنا مش بكتب أقولكم إنتم غالطانين وأنا جاي أصلحلكم فكركم، أنا بكتب بقولكم إن يمكن الثورة اللي غلطانة إنها ماوصلتش وجهة نظرها كفاية ليكم عشان تفهموا وجهة نظرها، ويمكن أنا أساعد في العملية ديه لو قدرت.
مازال البعض يظن أن الثورة ديه مؤامرة، مؤامرة لقلب نظام الحكم، مؤامرة خلفها مصالح لدول أخرى، أو قوى سياسية أو حتى ورائها مصالح شخصية.
هل كمية الفساد التي كانت موجودة تحتاج لعامل محفز؟ ألم تكن محفزة بالقدر الكافي لآلاف الثورات؟ وخصوصا مع وجود إعلام مفتوح جعلنا ندرك أننا في ذيل الأمم؟ في قعر حلة الكون؟
ألم تدخل على مقاييس الفساد العالمية قبل الثورة لتدرك أنهم كلهم أجمعوا أن مصر بقياداتها في الربع الأكثر فسادا في العالم؟
أنسيت رعبك عندما كنت تتكلم في السياسة في مطعم أو بين أصدقاء أحدهم لم يتربى معك؟
ألازلت تشك أن مبارك كان ديكتاتور؟ أليس الديكتاتور هو من يقمع معارضيه وينهي على الحياة السياسية والاهتمام السياسي للشعب حتى لا يهدد وجوده؟ قمع كل المعارضة، عرقل معظم الأحزاب، ولبس قضايا لكل من يحاول يناطحه بأي شكل؟
ألازلت تشك أنه كان يحاول تمرير السلطة لإبنه كإنها عزبة؟ ألازلت تشك أنه فشل في ثلاثين عاما في تعليم الشعب وتثقيفه أو حتى إيجاد قوته في وقت اغتنى فيه رجال أعمال مصر أكثر من رجال أعمال أوروبا؟
ألازلت تظن أنه بطل حرب لمجرد إدارته الطلعة الجوية؟ حتى لو كان بطل حرب، هل سيشفع له ذلك في كل الجرائم التي اقترفت في عصره؟
لماذا لم يستقل القضاء؟ لماذا كنت تعلم كمواطن إن حقك مش هتاخده لو رحت القسم؟ ولا لو رحت المحكمة؟ أين العدل في دولة تخاف تدخل فيها قسم شرطة حتى لو كان الحق لك، وتدرك يقينا أن المحكمة لن تقيم العدل وإن فعلت يكون عدل بطيء يساوي الظلم بل قد يكون أقبح منه.
لماذا عاش الناس في عشوائيات وسط قيام مدن على أعلى مستوى بأسعار فلكية تباع فيها الأراضي بملاليم؟ لماذا كان خريج الجامعات لا يدري اسم وزير التعليم العالي؟ لماذا لا يعرف أكثر من تسعة وتسعين في المائة من الشعب معنى كلمة ديموقراطية أو أي مصطلح سياسي بسيط؟
لماذا أجهضت كل المشاريع العلمية والتنموية والسياسية وحتى الخيرية التي لم تأخذ ختم الحزب الوطني؟
هل كانت إحدى تلك المعلومات غير معروفة لك وقتها؟ لأنك لم تكن تهتم بالسياسة أو لإنك مش عايز تعكنن نفسك.
هل كنت تعلمها ولكنك عديم التفاؤل أو الشجاعة لمواجهتها؟
هل كنت تعلم باستفحالها فتشارك فيها من باب إن "الدنيا في مصر مابتمشيش غير كده"؟
لو كانت الإجابة بنعم، فبقولك إن من صنع الثورة، هم من كانوا يهتمون، ويعرضون حياتهم ومستقبلهم للخطر لمجرد إعتراضهم وقتما كنت سيادتك جالس في الكافيه أو بتطمن على المرتب أول الشهر أو فوائد الوديعة.
هؤلاء منهم من استشهد وضرب وشم الغاز واعتقل وأصيب وقتما كنت تتساءل "هو الشارع زحمة ليه النهاردة؟".
هؤلاء هم من قبلوا أرجل باقي الشعب ليسمعهم طوال أعوام.
هؤلاء هم أصلا أقل الفئات تضررا ويقفون وقفة حق ليأخذوا حق لمن لا يعلم أن له حق أصلا لم يأخذه.
هؤلاء من نزلوا ليطالبون برغيف العيش للفقراء بعد أن أكلوا ما لذ وطاب قبل أن يأتون للمظاهرة، ثم يضربون ويهانون ويجرون خوفا من القبض عليهم ليركب أحدهم تاكسي يقوده سائق مدقع الحال فيشتم له في شباب المظاهرات اللي موقفين حال البلد.
هؤلاء هم نفسهم من كانوا يقبلون أصابع رجل الشعب ليدرك أن كل مطالبهم مشروعة، رحيل مبارك مشروع، رحيل نظامه مشروع، دستور جديد مشروع، ومازالوا يطالبون بكل ما هو مشروع وهدفه الصالح العام، ومازال كل ما هو عام يجلس وينتقد وفي بعض الأحيان يسب ويلعن ويتهم أيضا بالعمالة والخيانة لو أتاحت له الفرصه.
لكن السؤال الأعظم، لماذا تريد أن تنتقدهم؟ لماذا تحب من قلبك كل رواية تثبت خيانتهم؟
أقولك ولا تزعلش؟
يمكن عشان مش عايز تلوم نفسك، عشان مش عايز تحس إنك كنت أو مازلت سلبي، عشان الوضع العام مش مدايقك أوي على قد ما تضرر وضعك الخاص مدايقك، عشان شايف إن رأيك استحالة يكون غلط، عشان الاعتراف بالغلط محتاج شجاعة كبيرة، عشان وضعك الخاص ما تضررش بالفساد، بل يمكن استفاد منه، فلو رجع الوضع لما كان عليه مش هتدايق قوي يعني... بيس.
عشان كنت شاطر في إنك تلوم الشعب على فقره وجهله وعدم مقدرته على الإيجاد القوت والعلاج، بأسباب مثل "ما هو شعب وسخ مش عايز يتعلم" ، "ما هم اللي بيخلفوا كثير"، "ما هم اللي مش عايزين يشتغلوا".. ما هم.. ما هم.. مش أنا.. مش أنا.. إلخ إلخ.
مش ده نفس الشعب الي اشتغل لما أتيحت له الظروف في الماضي؟ أو لما بيسافر برا؟ ومين اللي وصلوا لكده؟ مين اللي سابوا؟ مين اللي ماعرفش يحل مشاكله؟ سيبك بقى، مين اللي شاف كل ده وسكت؟ مين؟ هه؟
طبعا إنت عارف الإجابة، بس إنت لو مالمتش الشعب هتضطر تلوم نفسك إنك مش بتقف وتيجي على نفسك، وتخاطر عشان تاخدله حقه، وتعارض الحكومة اللي عاملة فيه كده.
الإنسان لو حب فكره، وحاسس إن الفكرة ديه هتريحه وتنيمه الليل بدون تأنيب ضمير، هيستثمر فيها، ويحاول يدور بميكروسكوب على كل الدلائل اللي تأكد الفكرة ديه، إن كانت إن الشعب هو اللي وسخ ويستحق مبارك، أو إن كانت إن كل من كان ليس مثلهم وسكت وتجرأ وطالب بالتغيير هو شرير وله مصالح أخرى، هو أحسن مني يعني؟ ما أنا ساكت أهه..
عندما تجد ثورة وقف لها العالم إحتراما وتبجيلا ولا ينتقدها إلا هؤلاء المصريين اللي معظمهم الثورة قامت أصلا عشانهم، فإنه شيء فعلا مخزي ومحزن.
نفسي كل من ينتقد الثورة وشبابها والناس اللي تعبوا عشانها ضميره يبدأ يأنبه، مش لازم يشارك، مش لازم يشهر سيفه و يحارب من أجل الحق، بس على الأقل مايحاولش يستثمر في أي فكرة تحاول تشويه الثورة أو من قاموا بها.
و إعرف كويس، لو كان إبنك إتضرب من ظابط زمان و جه يعترض لقى في جيبه بقدرة قادر حتة حشيش، لو كان مصنعك إتقفل بسبب ظلم الإحتكار و فلست و فكرت في الإنتحار بعد قتل أولادك عشان مايموتوش من الجوع، لو كان ليك قضية ماتنفذش حكمها، لو كان إبنك مات و هو نازل يطالب بحقه المشروع، كان زمانك دلوقتي في ميدان التحرير، و لو ده ماحصلكش فده ماحصلكش لسبب من إثنين، صدفة كونية و حظ مطلق، أو لإنك كنت في طرف الظالم الفاسد اللي أوقع الظلم ده عن الناس.
التاريخ بيتكتب دلوقتي حالا و إنت قاعد تقرا الكلام ده، قدامك حل من إثنين، يا تمسك قلمك و تعمل اللي يريح ضميرك، يا تشتم و تشوه و تنتقد، و التاريخ هيفتكرك و لما تموت هتقف قدام رب هيحاسبك و لما تيجي تتحجج قدامه بالحجج اللي إستخدمتها كمنوم، أكيد أكيد.. هيكون فاقسك.
و دلوقتي أسيبك، ليك، و لضميرك.