في الطريق من القاهرة إلى مهرجان الإٍسماعيلية السينمائي، لمشاهدة وثائقيات في مدينة عتيقة بعيدة عن القاهرة اصطحبت معي كتاب "عزيزي السيد كواباتا" للكاتب اللبناني رشيد الضعيف. كانت القراءة الثانية بعد سنوات من قراءته الأولى. اليوم أقرأه على مهل أكثر، بالتزامن مع خمسون عامًا على الحرب الأهلية في لبنان، وبعيدًا عن القاهرة وزحامها المستمر، حيث يقام المهرجان الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة (5 فبراير/ 11 فبراير) برئاسة المخرجة هالة جلال.
تابعوا قناة FilFan.com على الواتساب لمعرفة أحدث أخبار النجوم وجديدهم في السينما والتليفزيون اضغط هنا
يأتي ذلك في وقت تبدأ مفارقته من لحظة النظر إلى مكان إقامة المهرجان في مقابل الإنتاج البصري المعروض من خلاله؛ فهو مهرجان للأفلام التسجيلية التي توثق ما حاول الزحام العام أن يتناساه أو يطرحه سريعًا دون سياق أو بعيدًا عن الحقيقة، يعرض تلك الأفلام التي تتساءل عن الذاكرة في مدينة منسية نوعًا ما، هادئة أكثر مما يبدو، تبدو خارج الزمن لو حاولت مقارنتها بالقاهرة.
كتاب رشيد الضعيف هو سيرة ذاتية للرجل، يكتب فيها عن طفولته وحياته ووضع لبنان المأزوم قبل سنوات بعيدة. يدين الكتاب الجميع بشكل غير مباشر. كل من تسبب في الخراب اللبناني الطويل ثقيل الأثر، وربما من سخرية القدر أن أصل إلى المهرجان لأشاهد فيلم "خط التماس" الذي يحكي قصة فداء التي نشأت في قلب بيروت الممزقة من الحرب. بطفولة غارقة في الجحيم الأحمر عالم من الدمار والخوف. تتساءل في الفيلم عن فكرة قيمة الحياة في وقت الحرب تمامًا كما كان يتساءل رشيد الضعيف في كتابه الذاتي.
كلاهما كتاب "عزيزي السيد كواباتا"/ رشيد ضعيف الذي قرأته في طريقي للمدينة وفيلم "خط التماس"/ سيلفيا باليوت الذي شاهدته بعد وصولي ضمن برنامج برمجة جيد ومتنوع لديهما الإدانة العامة للجميع في الداخل اللبناني. وربما ذلك ما جعلني أطرح تساؤل عابر سريع في تلك التدوينة القصيرة: كيف نستفيد من خطابات إدانة عامة لا تورّط نفسها لمعرفة من تسبب في الماضي التعيس؟
الفيلم يطرح خطابه في حوالي 150 دقيقة/ ساعتين ونصف. أفهم من الدقائق الأولى الشكل الفني والخطابي الذي سيستمر معي خلال ذلك الوقت الطويل، والذي سأكتشف أنه كان من الممكن تقليله تمامًا.
يختار الفيلم شكل فني جديد عربيًا نوعًا ما كان أفضل من نفّذه المخرج ريثي بان خلال فيلمه المذهل "الصورة المفقودة"؛ إذ تستبدل المخرجتان الحارة التي تحكي فيها قصة الطفولة بنموذج صلصالي متخيّل تحكي من خلاله اللحظة التي بدأت فيها الحرب الأهلية في لبنان.
يتميز الفيلم في ذلك الاستخدام الفني عن الفيلم المغربي الذي خرج قبل عام واحد: كذب أبيض. إذ جمع بين الواقعي؛ الدمى والماكيت الصلصالي ذلك. "ستوب موشن" العمل أيضًا كان أكثر جودة. وتواجد البطلة الحي الذي أضفى واقعية أكبر.
اللحظة التي حملت فيها كافة الطوائف داخل لبنان أسلحتها أمام بعضها الآخر للدفاع عن نفسها. تلك اللحظة التي يقرر المخرجتان طرح سؤالهن عنها: من المسئول عن كل ذلك؟ المخرجة العربية فداء إلى جانب الفرنسية سيلفي باليوت يمررن تساؤلهن على الجميع. نشأت فداء بزري التي تشارك في الإخراج بينما يحكي الفيلم قصتها في بيروت في الثمانينيات، حيث كانت تستمع إلى قصص جدتها عن "الجحيم الأحمر". والآن بدأت تتساءل عن قيمة الحياة وسط الصراع، وتواجه المسلحين من خلال المنمنمات، وتقارن بين منظورها الطفولي ومنظورهم. . الفيلم يدين الجميع تمامًا كما شعار الثورة: كلن يعني كلن.
لا أعلم لماذا يستمر ذلك الخطاب الذين يدين كل شيء دون وجود وجهة نظر للمخرجة على الأحداث. يبدو الأمر أشبه بتوثيق تجاوزه الزمن. عمل مرّ الزمن عليه. لا يستفيد منه أي متابع ولو بسيط. جعلني أتسأءل لماذا هنا مخرجتان؟ ولماذا هنا مخرجة لو كان الخطاب منزوع المعنى؟
الفيلم بدا سكتشات متفرقة متورطة في سؤال ذاتي لا يحاول التورط أو تفكيك الإجابات التي تأتي عليه أساسًا. كيف يبدو الفيلم في لحظة يحاول تفهّم مختلف الطوائف بينما في الحقيقة الأكثر عمقًا لا يمكنه تجاوز أزمة صنّاعه أنفسهن!
خط التماس هو تعبير لبناني يمثّل خطاب سينمائي عالمي للفيلم التسجيلي يمر على قضاياه بشكلٍ عابر، دون أن يورّط نفسه أو فكرته أو وجهة نظر صنّاعه. بات متجاوز للزمن في حالة لبنان، ومتواطيء أو على أقسى تقدير سلبي. لكنه على كل شيء مهم للتذكير والتوثيق في ذاته، من الجيد وضعه في برنامج تسجيلي ذكي ومهرجان طموح يعمل وينتج ويخلق حوار دون أدنى إمكانات، بالرغم من كل شيء يستحق الإشادة.
خطاب تطهري يدين الجميع ويحاول أن يساوي بين جميع الطوائف، يحاول التخلص من الماضي دون حتى إدانة العنصر الأكثر إدانة فيه بين الجميع، حتى لا يدين إسرائيل في لحظة لم تتجاوز فيها لبنان نفسها التشاحن والضغط المباشر وغير المباشر من الكيان المجنون. يحكيه مجموعة ممن اعترفوا بذلك حتى قبل الفيلم. ونهاية سينمائية ملحمية ملهمة لإعادة التساؤل واستنتاج الأخطاء، ليست أخطاء كافة الطوائف في الداخل، بل أخطاء الخطاب الاستشراقي الذي يدين الجميع دون سياق.
شكوة إدانة عامة، ومظلمة شخصية تعيشها فداء بمشاعر صامتة وأداء تمثيلي ثابت على مدار الفيلم، رغم كل شيء. بينما أشاهد ذلك أتذكر جملة رشيد الضعيف الأثيرة في كتابه الذي بدا خطاب إلى الجميع ليس كواباتا فقط: أعدك بأني لن أسمعك بكاء، ولن أشكو، ولن أعرض عليك آلامي، ولن أتذمر من الأحوال السيئة التي أوصلتني إليها الأيام، على طريقة أن الدنيا شردتني وأنا الشاب الأمير. ولن أنتفض ثائرًا على الظلم والقهر، حاملًا إليك آلام هذا الشعب المسحوق تحت وطأة أقدام الأنظمة الرجعية، العميلة للاستعمار والإمبريالية والصليبية الجديدة.
اقرأ أيضا:
رمضان 2025 - مي عز الدين تعرض الزواج على آسر ياسين في برومو "قلبي ومفتاحه" (صور وفيديو)
وفاة الفنانة السورية إنجي مراد عن عمر 33 سنة
غياب محمد سلام ومنافسة مع شقيقتها … 4 تحديات تواجه دنيا سمير غانم في رمضان 2025
لا يفوتك: في الفن يكشف حقيقة وليد فواز مبدع أدوار الشر
حمل آبلكيشن FilFan ... و(عيش وسط النجوم)
جوجل بلاي| https://bit.ly/36husBt
آب ستور|https://apple.co/3sZI7oJ
هواوي آب جاليري| https://bit.ly/3LRWFz5