اكتشف العالم المخرجة أماليا أولمان عام 2021 من مهرجان صندانس، مخرجة أرجنتينية شابة من موالد 1989، تعيش في نيويورك، وتصنع أفلام خاصة جدًا يُمكن تسميتها "سينما ما بعد عصر الإنترنت". أفلام معاصرة تستفيد من ديناميكيات العالم الجديد وتبني عليها دراما لا تلتزم بحدود تجربة المخرجة الشخصية.
تابعوا قناة FilFan.com على الواتساب لمعرفة أحدث أخبار النجوم وجديدهم في السينما والتليفزيون اضغط هنا
فيلمها الأول "إل بلانيتا El Planeta" دارت أحداثه في إسبانيا، عن أم وابنتها تتسبب الأزمة الاقتصادية في طردهما من بيتهما، لتتحولا إلى محتالتين لاستعادة ما تؤمنن بأنه من حقهما. صورت أولمان فيلمها بكاميرات رقمية وبميزانية محدودة وبصورة بالأبيض والأسود، ليختار مهرجان صندانس الفيلم الصغير في مسابقته الدولية، فيلفت الأنظار ويبدأ جولة جمع خلالها جوائز عديدة، من بينها جائزة لجنة التحكيم الخاصة لمهرجان تورينو، وجائزة أحسن سيناريو في مهرجان تولوز. وقام صاحب هذه السطور بتقديم المخرجة الجديدة للجمهور المصري عندما اختير الفيلم للمشاركة في مسابقة مهرجان أسوان لسينما المرأة عام 2022.
بعد أربعة سنوات تعود أماليا أولمان إلى صندانس من جديد، بفيلمها الطويل الثاني الذي يشارك هذه المرة في قسم العروض الأولى Premieres، وهي إشارة لما حققته المخرجة من نجاح جعلها توضع في القسم الذي يخصصه المهرجان عادةً لصناع الأفلام المشهورين والأفلام التي تمتلك حظًا من التوزيع التجاري، بينما تميل المسابقات الأربعة لدعم الأصوات الجديدة التي كانت أولمان واحدًا منها وقت عرض "إل بلانيتا".
بعيدًا في الأرجنتين
الفيلم الجديد يحمل عنوان "مزرعة سحرية Magic Farm"، وفيه تواصل تجاربها الذكية وخفيفة الظل، وانتقادها الساخر للعالم المعاصر وشكل الشخصيات والعلاقات داخله. وبالرغم من إمكانية العمل بميزانية كبيرة بحكم نجاح الفيلم الأول، تحتفظ المخرجة الموهوبة بسمات أعمالها المميزة، لتأخذنا إلى عالم بعيد تمامًا: قرية أرجنتينية نائية اسمها سان خريستوس، يجد فريق تصوير برنامج وثائقي أمريكي أنفسهم فيها عن طريق الخطأ.
الحكاية تبدأ بتقديم عاجل لأعضاء الفريق الخمسة: المذيعة النجمة، حبيبها المدير، المنتجة الشابة، والمعد والمساعد الشابان، لنعرف أنهم فريق يصور حلقات برنامج موضوعه الثقافات الهامشية الغريبة في العالم. بكلمات أخرى: فريق يبحث على شبكة الإنترنت عن أحدث "ترند Trend" غريب في دولة أخرى، فيسافر لاستغلال الفرصة والتصوير مع صاحب الترند لتقديمه للمشاهد الأمريكي باعتباره "ثقافة هامشية" من دولة أخرى.
لا يقدم الفيلم هذه المعلومات من البداية بالطبع، بل يجعلنا نعتقد أننا أما فريق يعمل بالفعل على برنامج جاد، حتى لو كان أعضاؤه غريبي الأطوار أو كانت نبرة الأحداث كوميدية ساخرة، لكننا سرعان ما نجد أنفسنا مرافقين للفريق (الذي سرعان ما يصير رباعي الأعضاء بعد تحجج المدير وعودته فورًا إلى نيويورك) في رحلته العبثية إلى قرية بعيدة كل البعد عن الثقافة التي أتى منها هؤلاء العاملين في التلفزيون، أبناء ثقافة الإنترنت وعصر ثقافة الووك Woke culture.
موقف عبثي
الموقف كالآتي: شاهد المعد مقطع فيديو لمغني غريب الأطوار يضع أذني أرنب فوق رأسه ويغني في قرية اسمها "سان خريستوس"، بحث عن القرية فوجدها في الأرجنتين وراسل من وصل إليه هناك، وهي امرأة عجوز تدير مؤسسة مسيحية، نفهم لاحقًا أنها اعتقدت أن الحروف المختصرة للقناة هي تعبير عن مؤسسة دينية دولية، فادعت معرفتها بهذا المغني. الفريق يصل للقرية فيكتشف غياب المرأة عنها دون موعد متوقع لعودتها، ويُصدم بأن سكان القرية لا يعرفون شيئًا عن هذا المغني، وأن الفيديو في الأغلب لم يصور في الأرجنتين من الأساس، فاسم "سان خريستوس" المستلهم في اسم كريستوفر كولومبوس شائع وموجود في بيرو والإكوادور وعدة دول أخرى في القارة اللاتينية!
بعد إنفاق جانب كبير من الميزانية على رحلات الطيران والتكاليف، وضياع عدة أيام لحين التأكد من أنهم في المكان الخاطئ، لا يكون أمام الأربعة إلا أن يقوموا بتزييف ترند ما، يختلقون حكاية ملائمة لموضوع برنامجهم، ثم تصوير الحلقة وكأنهم وصلوا إلى القرية استجابة للظاهرة وليس العكس.
وبينما يبقى الأبطال في القرية يبدأ كل منهم في التفاعل مع المجتمع المحلي على طريقته، لتُخلق المفارقة المستمرة من الفارق بين العالمين، الذي يبدو أحدهما مشغولًا جدًا بالتصنيفات والتقسيمات التي تهدف نظريًا للمساواة والحقوق بينما تخلق لدى أصحابها – حسب الفيلم – حالة من الضعف والهرب من المسؤولية، بينما يبدو العالم الآخر بعيدًا تمامًا، خارج حسابات الزمن بصورة مضحكة، لكنه لا يزال قادرًا على التواصل مع الأشياء والبشر والمشاعر بصورة حقيقية لم تشوهها قواعد العصر الجديدة وتقنياته.
على مستوى الأفكار، قد لا يقدم "مزرعة سحرية" جديدًا عن الآراء العامة المطروحة كرد فعل على تعقد عالمنا وتأثير وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام الجديد عليه. لكن على مستوى الصنعة تبرع المخرجة الموهوبة في تقديم عمل شيّق من بدايته لنهايته، خفيف الظل، فيه شخصيات مرسومة ببراعة تتفاعل مع بعضها بصورة منطقية لا تخلو من الطرافة التي تلامس العبث أحيانًا. خصوصًا فيما يتعلق بالترند الذي يخترعه الفريق ويورطون فيه صديقهم الطيب، مالك الفندق الصغير الذي يسكنونه.
بعد العرض في صندانس، سيسافر فريق "مزرعة سحرية" لحضور عرضه الأوروبي الأول في قسم البانوراما بمهرجان برلين، لتستمر أماليا أولمان في قطع خطوات صغيرة، هادئة وواثقة، عبر أفلام قد لا تقلب الموازين ولا تحقق أكبر الجوائز العالمية، لكنها تشبه صانعتها وتحمل بصمة خاصة نحب أن نشاهدها كثيرًا.
اقرأ أيضا:
هنا الزاهد: أتمنى الارتباط بشخص من خارج الوسط الفني
نهال عنبر: التدين ليس له دخل بالحجاب
#شرطة_الموضة: أيتن عامر تخطف الأنظار بمعطف فرو ... سعره 7600 جنيه
نهال عنبر: مقالب رامز جلال متفق عليها وبفلوس... أكثر من 5 آلاف دولار
لا يفوتك: في الفن يكشف حقيقة وليد فواز مبدع أدوار الشر
حمل آبلكيشن FilFan ... و(عيش وسط النجوم)
جوجل بلاي| https://bit.ly/36husBt
آب ستور|https://apple.co/3sZI7oJ
هواوي آب جاليري| https://bit.ly/3LRWFz5