"وُلدت في العاشر من إبريل 1932، ومن مواليد برج الحمل وتحت تأثير برج الميزان، وقد رأيت النور في مدينة الأسكندرية، فوق تلك الأرض التي ورثت عن الإغريق أرقى ما في حضارتهم شببت".
يقدم FilFan.com لقرائه سلسلة "حياة العالمي عمر"، على مدار اليوم الإثنين 10 إبريل الجاري، والذي يوافق الذكرى الـ 85 على ميلاد الممثل الراحل عمر الشريف.
* ملحوظة المحرر:
كل ما ورد على لسان عمر الشريف هو من تصريحاته للصحيفة الفرنسية "ماري تيريز جينشار"، التي نُشرت في منتصف 1975، وترجمها ونقلها الكاتب محمود قاسم في كتابه "عمر الشريف وجوه"، والذي صدر في النسخة الـ 37 لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي.
والدي ينجح في الصفقات ووالدتي تلعب مع الملك فاروق
"والدي كان ولا يزال تاجرا كبيرا من تجار الأخشاب، وكانت حياته نموذجا منسوخا عن حياة رجل الأعمال الناجح، الذي ينحدر من أصل لبناني سوري، وهي حياة رغدة في الغالب وبعيدة عن التعقيد، وكان مركزه ورصيده يسمحان له بأن يذهب إلى النوادي الكبرى التي يتردد عليها كبار القوم، وهي نوادي ذات طابع إنجليزي، ومن بين تلك النوادي نادي "محمد علي"، فهو كان أقرب إلى النوادي الخاصة المغلقة، ولعل من أسباب تضيف دائرة أعضائه هو أن الملك السابق فاروق كان يلعب على موائده كل ليلة وبمبالغ طائلة، حتى لو كانت اللعبة كونكان، وكانت مائدة اللعب الواحدة تضم ليلا من تتشعب بهم الدروب صباحا، الملك وكبار الإنجليز، والعائلات الكبيرة، ورجال الأعمال اللبنانين والسوريين المسلمين والمسيحيين، ووسط هذه المجموعة كانت أمي نجمة متألقة".
وأحوال أبي كان يرعاها نجم سعد، وكان مستوى معيشتنا يرتفع مع كل صفقة جديدة رابحة، أما أمي فكانت تسعد أكثر من غيرها بما يحققه أبي من مكسب، وذلك لأنها كانت تحصل على نصيب منه، فتلعب أكثر وأكثر.
من الإسكندرية إلى القاهرة ونغتني أكثر رغم الحرب العالمية الثانية
"كنت في الرابعة من عمري، عندما قرر أبي أن ينقل مركز عمله الرئيسي إلى القاهرة، ويضع أكثر من علامة هامة في دفتر حياتي، ففيها بدأنا نصعد السلم الإجتماعي درجات ودرجات، وكانت العلامة المحسوسة لهذا الصعود هو انتقالنا من منزل إلى آخر أكبر وأفخر، فسكنا في البداية بشقة في عمارة من إثنى عشر طابقا، ثم انتقلنا إلى أخرى أكبر وأحدث وأغلى، وتحول أبي من تاجر ناجح إلى تاجر ثري جدا، والثورة هبطت عليه أغلبها إبان الحرب العالمية الثانية، فإذا كانت ظروف الحرب جعلت ميدان تجارة الأخشاب شبه راكدة لفترة غير قصيرة، فإن أبي بذكائه وخبرته، عرف كيف يحوّل نشاطه بصورة مؤقتة إلى ميدان آخر وفير الكسب".
وتابع عمر الشريف: "اتجه أبي إلى المخلّفات التي تبيعها القوات المتحالفة، وخصوصا الإنجليز، وأمكنه هذا أن يشتري كمية هائلة من الأسلاك الشائكة المستغني عنها وبسعر متهاود، وحوّل أبي السلك إلى مسامير صغيرة للأحذية، ومتوسطة للخشب، وطويلة للأغراض الأخرى، وأمكنه بالتالي أن يسد نقصا كبيرا في السوق يُجني الأرباح الطائلة مرة اخرى، وغيّرنا السكن وانتقلنا هذه المرة إلى فيلا مستقلة تحيط بها حديقة كبيرة تطل على النيل، وكانت الفيلا في أرقى أحياء القاهرة، وهي جاردن سيتي، وأجمل بقعة منها بين سفارتي إنجلترا وأمريكا".
وأردف: "أبي كان يكسب كثيرا، وأمي كانت تخسر كثيرا، إذ كانت تنفق المبالغ الطائلة، بعضها صرفته على إعادة تأثيث الفيلا بصورة أقرب إلى الكازينو منها إلى المسكن العائلي، وبينما كان باقي الذي تصرفه كانت تلتهمه موائد القمار، وكان رفاق اللعب كثيرا ما ينقلون النشاط إلى بيتنا في الفترات التي تغلق فيها النوادي أبوابها بسبب الإجازات، وكان أول هؤلاء الرفاق الملك فاروق".
كنا نظن أن شقيقتي لن يُكتب لها الحياة
"كنت في السادسة من عمري، عندما وفدت إلى بيتنا زائرة جديدة وأطالت الإقامة، كنت في تلك السن المبكرة عندما وُلدت شقيقتي، وجاءت إلى الدنيا ضعيفة هزيلة، إلى درجة أن الأسرة كانت تعتقد في البداية أنه لن يُكتب لها حياة، ومن هنا أحاطها والدي بكل ما ملك من حنان، وكان طبيعيا أن يُفسدها التدليل مع الأيام، وأن تتحول إلى إنسانة صعبة لا تطاق أحيانا، وعلى الرغم من كل هذا، فكان والدي يتصدى لأي إنسان يحاول ردها أو ردعها، وكانت شقيقتي تملك من الذكاء بحيث اتخذت من حب أبي ذريعة تصد بها كل ما لا يطيب لها، وأحيانا درعا تحمي به نفسها مما تتوهم أنه خطر، وهو محاولاتها لفرض نزواتها عليّ، فمثلا كنت أدير مفتاح الراديو لأستمع إلى موسيقى أفضّلها، فتسارع إلى إغلاقه، وهذا مثال بسيط لمضايقاتها المتتالية لي، التي لم تكن لتتوقف لحظة، ولم تعد الحياة تقاس بيننا بالأيام، وإنما غدت سلسلة معارك صغيرة متتالية، وكنت الأقرب إلى أمي، في حين كوّنت هي جبهة مع أبي، ولكن اليوم غير الأمس، أنا اليوم أحب أختي، أحبها جدا، أحبها لأنها شقيقتي، فالروابط الأسرية لها أهميتها وقيمتها عندي.