في عام 2006 أثناء تصوير مسلسل "أولاد الشوارع" الذي كنت أعمل مساعد مخرج به، كان يشارك في المسلسل شاب صغير في دور بسيط، واحد من أولاد الشوارع المحيطين بالبطلة حنان ترك، ولكن كانت الشخصية التي يؤديها هي أكثرهم شرا إذ كان يجمع منهم إيراد اليوم مقابل الحماية التي يقدمها لهم لأنهم يخافون منه لأنه بلطجي وقاسي.
في أحد الأيام كان لهذا الشاب مشهد صغير في وسط يوم تصوير طويل، كان المشهد أن يأخذ أحد الفتيات من أولاد الشوارع لأحد الأماكن في محاولة لاغتصابها تحت تهديد السلاح "المطوى"، مشهد قصير لممثل ثانوي مع ممثلة ثانوية في وسط مشاهد يوم تصوير مسلسل بطلته حنان ترك والبطولة للرجال كانت لعمرو واكد، ويشارك فيه النجم الشاب في وقتها عمرو سعد، والوجه الصاعد في وقتها أحمد فلوكس، ونجوم أخرين من الكبار.
بالتأكيد مشهد لشاب صغير في دور ثانوي مع فتاة في دور أكثر ثانوية، لن يأخذ في تصويره وقت للتنفيذ لأن – بوجهة نظر المخرج والإنتاج والعرف السائد في العمل – هناك ما هو أهم من المشاهد، الممثل الشاب يطلب من المساعد الأول كريم مدحت في بداية اليوم أن يعطيه المطوى التي سيستخدمها في المشهد ليتمرن علي استخدامها، فهو يريد أن يظهر في المشهد بأنه محترف في فتح المطوى "القرن غزال" التي لم يكن يعرف كيف تستخدم.
طوال اليوم كنت أري الشاب وهو يتمرن علي تلك اللقطة التي لن تأخذ على الشاشة أكثر من 3 ثواني في مشهد لن يزيد عن 24 ثانية علي الشاشة، لكن كان يحاول ويكرر المحاولة وكأنه أهم مشهد في مشواره الفني.
في لحظة تنفيذ المشهد اختار المخرج أن يكون المشهد من لقطة واحدة "وان شوت" مجرد أن يدخل مع الفتاة يهددها يفتح المطوى يسقط الورد منها وينتهي المشهد.
مع كلمة "أكشن"، دخل الممثل، يسحب الممثلة وقال جملته ولكن أرتبك في فتح المطوى فلم تفتح بشكل صحيح، توقف التصوير وبدأ مرة أخري، ومع "أكشن" كرر المحاولة ولكن مرة أخري لم تفتح معه المطوى.
جاء صوت المخرج في السماعات يسأل عما إذا كان هناك مطوى أخرى من التي لها زر يفتحها "سوستة" حتي لا نعيد مرة أخري بسبب عدم قدرته علي فتحها بشكل سليم، فيجيب المساعد الأول كريم أن هناك مطوي أخري جاهزة، فيطلب المخرج أن نستخدمها بمنطق "خلينا نخلص ..مكانش مشهد ده عندنا يوم طويل".
يطلب الممثل الشاب من كريم أن يسمح له أن يكرر المحاولة بالمطوى "القرن غزال " لأن شخصيته كبلطجي من المؤكد أنها لا تستخدم مطوى سوستة ويجب أن يستخدم المطوى القرن الغزال لطبيعة الشخصية والدور.
يوافق "كريم" علي طلب الممثل علي مسئوليته الشخصية، خاصة مع معرفته بالتدريب الذي يقوم به الممثل طوال اليوم من أجل المشهد البسيط خاصة مع منطقية طلبه بعيدا عن الحسابات الأخرى الخاصة بالنجومية والوقت وشكل اليوم.
يدخل الممثل وقد توترت الأجواء بشدة خاصة أن فشله سوف ينعكس بالتوتر علينا كفريق الإخراج الذي لم يستجب لأوامر المخرج.
ينجح الشاب في استخدام المطوى وينتهي المشهد، ليشعر بالانتصار والسعادة، انتصار وسعادة هو الوحيد الذي كان يشعر به لأن الجميع هنا كان لديه أشياء كثيرة أهم في باقي يوم التصوير الطويل، أهم من ممثل ثانوي يريد أن يؤدي بشكل صحيح في مشهد من لقطة واحدة مدته 24 ثانية فقط.
كان هذا الممثل الشاب هو محمد رمضان الذي سيصبح فيما بعد الأشهر والأغلى والأنجح والأكثر إثارة للجدل.