وسط استيائي من عدم توافر أي من الأفلام المرشحة لأوسكار 2015 في دور العرض المصرية، باستثناء "The Imitation Game" و"The Theory of Everything"، ولكنهما لم يحفزاني على مشاهدتهما لعدم ميلي للأفلام البريطانية بصفة عامة، واشتياقي لمشاهدة "Foxcatcher" و"Birdman" عنهما.. وبعد فترة وقوف طويلة أمام ملصقات الأفلام المعروضة في السينما، قررت في النهاية أن أشاهد فيلم "ريجاتا"، مع إدراكي جيدا لعواقب هذا القرار.
ولم تخب توقعاتي على الإطلاق بشأن الفيلم، والذي يحمل مقومات فيلم تجاري شعبي من الدرجة الأولى، يعيد إلى ذهنك أجواء أفلام المقاولات في فترة الثمانينيات، والتي كانت تضم عناصر أساسية: "شجيع السيما" المحاكة ضده المؤامرات من كل مكان كي يستعطف الجمهور ويبرر كل أفعاله، و"شوية إغراء على الماشي"، و"راقصة وكباريه"، وهو ما ليس غريبا على المنتج محمد السبكي الذي قالها صراحة في أنه يرغب في إمتاع الجمهور، ولا يريد أن يذكرهم بألم الواقع الذي يعيشونه خارج صالة العرض.
وإذا كانت رؤية "السبكي" لصناعة السينما بأنها مجرد ترفيه، فهي وجهة نظر تُحترم وتخص صاحبها، ولكن أضعف الإيمان هي أن تقدم رسالة مع العمل، وهو السؤال الذي ظل يراودني بعد خروجي من السينما: "هو الفيلم عاوز يقول إيه؟" هل الإشارة إلى أن المجتمع يعج بالعديد من المهمشين؟ قديمة وتم "هرسها" في العديد من الأفلام.
وبخصوص أفلام الثمانينيات، فلا أعلم إن كان صناع الفيلم قصدوا هذه "الثيمة" بسبب خط الكتابة المميز لاسم الفيلم، والذي اعتدنا أن نشاهده على أفيشات الأفلام القديمة، وكأنما يريد صناع العمل أن يقدموا "نوستالجيا"، خاصة بعدما أصبحنا في شوق كبير لها خلال السنوات الأخيرة.
اتسم الأداء التمثيلي لأغلب أبطال الفيلم بالجمود والتكرار، ومنهم إلهام شاهين التي روّجت جيدا لدورها في الفيلم قبل طرحه بشائعة حلقها لشعرها بسبب تجسيدها لدور إمرأة مريضة بالسرطان، كذلك الحال بالنسبة لفتحي عبد الوهاب، الذي اختلف فقط عن دوره كضابط شرطة حاد المزاج في فيلم "عودة الندلة" بوضعه لشارب، أما أحمد مالك فلا أعلم إن كان السر وراء "قرفه من نفسه ومن الدنيا كلها" هو إثبات أنه ممثل جيد.
لا أتفق مع الناقد طارق الشناوي بشأن أداء عمرو سعد، فهو ممثل متمكن، ويجيد التعبير بعينيه بصورة رائعة، ولكنني شعرت بأنه لا يقدم في "ريجاتا" أي جديد؛ حيث مازال مسجونا في نمط الشاب ابن الحارة الشعبية الموعود بالأحداث المؤسفة، ولكن رغما عن ذلك يواصل تقدمه رغم فقره المدقع، لدرجة أنه لا يستطيع توفير ملابس داخلية سليمة له، وأنه "لقيط" يجهل من هو والده، وهو ما يجعلك تشعر أنك تشاهد نسخة جديدة من دوره في "حين ميسرة" أو "دكان شحاتة"، ولكن مع فارق تغييره لقصة الشعر.
ولكن كانت الحسنة الوحيدة من مشاهدتي لفيلم "ريجاتا" هو الفنان محمود حميدة الذي أرى أنه بتجسيده لدور تاجر المخدرات "ساري" عاد من جديد إلى نمطه الشهير في أفلام المقاولات بالتسعينيات، ومنها "الامبراطور" "والرجل الثالث"، وكأن تألقه في فيلم "ريجاتا" يعكس حنينه الشديد إلى هذا النمط، والذي أعتقد أنه السبب الرئيسي وراء حب الجمهور له من الأساس.
وما يميّز محمود حميدة كممثل أنه لا يشعرك بأنه يمثل، فكان غاية في التلقائية وعدم التصنع على الشاشة، وتلك هي أقصى درجات الاتقان، فضلا عن أنه أضفى مسحة طريفة على أداؤه، وكأنك أمام "استيفان روستي العصر الحديث"، بتعليقاته الطريفة والمستفزة، خاصة تلك التي ألقاها أثناء استجوابه من قبل ضابط الشرطة فتحي عبد الوهاب.
ويُذكر لحميدة أيضا اهتمامه بأدق تفاصيل الشخصية التي يجسدها، فهو عند لعبه لـ "ساري" لم يفوت استخدامه لاكسسوارات تحدد شخصية تاجر مخدرات شعبي ومالك لكلهى ليلي، ومنها الأسنان الفضية أو الذهبية، وألوان الملابس معدومة الذوق أمام امتلاكه لسيارة فارهة، وارتداؤه لسلسلة.
أتفق مع رانيا يوسف تماما بأنها لم تقدم مشاهد جريئة إلى حد الصدمة في" ريجاتا"، ولكن بحكم تجسيدها لدور خائنة لزوجها في الفيلم، فاكتفت بالظهور في مشهدين بملابس النوم وهي بمنزل عشيقها (محمود حميدة)، ولكن الأهم من كل هذا أنها هي الأخرى لم تقدم جديدا في دورها، ومازالت تكرر النمط الذي ساهم في شهرتها خلال السنوات الأخيرة، ومنها في فيلم "ريكلام"، فأين هي رانيا يوسف الزوجة الوديعة والمخلصة في "عائلة الحاج متولي"؟
حاول المؤلف (المخرج محمد سامي) أن ينسج حوارا شعبيا، على اعتبار أن كل أبطال الفيلم من بيئة شعبية، ولا أجد ما يعيب أن يدرج بين سطوره مصطلحات قد تكون خارجة لبعض المشاهدين، ولكن من الممكن أن تتعامل معها كإفيهات من الصعب نسيانها، ومنها "أبو لباس مقطّع"، والتي استخدمها في الإعلان الترويجي الفيلم، ولكن أن تختار في الإعلان نفسه مشهد صبي المراكبي" وهو يسأل: "طب إنت عارف ريجاتا معناها إيه"؟ فهذه محاولة يائسة لجذب المشاهد لدور العرض.
والحمد لله أن محمد سامي لم يلجأ في الفيلم إلى تقنية "الصورة المائلة" التي اعتمدها طوال حلقات مسلسله "كلام على ورق" في رمضان 2014، وأثارت موجة استهجان وسخرية كبيرة، وعندما سُئل عن سبب استخدامها برر هذا بأنها رؤيته الخاصة للعمل!
أيضا من المشاهد التي أثارت حيرتي طوال متابعتي للفيلم هو اختيار محمد سامي لنقطة التقاء محددة لأبطال الفيلم عمرو سعد وأحمد مالك، وهي أسفل كوبري إمبابة، على الرغم من أن "سعد" مطلوب للعدالة، وكان من الأجدر به أن يغيّر مكان لقائه بشركائه كي لا يسهل الوصول إليه، حتى عندما قام بتهريب والدته (إلهام شاهين) خبأها في نفس المكان، فهل هذا يعود إلى أزمة تصاريح خاصة بالتصوير؟
جاءت بعض مشاهد الفيلم طويلة بشكل مبالغ فيه، خاصة في البداية عند تجوال عمرو سعد على نهر النيل لشعوره بالضيق من ظروفه المعيشية، ولإصابة والدته بالسرطان، وكان من الممكن اختزال هذه المشاهد بصورة أكبر.
كذلك لم يبذل الموسيقار عادل حقي مجهودا حقيقيا في وضع الموسيقى التصويرية، فجاءت مقطوعاته الـ 12 متشابهة في أغلب مشاهد الفيلم، كما أنها طغت على حوار الممثلين في بعض المشاهد.
"ريجاتا" هو فيلم "تسالي" من الدرجة الأولى، ويترجم هدف محمد السبكي في المقام الأول، وهو ترفيه دون إرغامك على التفكير في شيء، فإذا كنت من محبي هذه النوعية من الأفلام، وأمامك ساعات فراغ فاذهب لمشاهدته، واخرج بعد انتهاؤه وكأن شيئا لم يكن!
ناقشني عبر Twitter:
Tweet to @KTaha80
* مقالات الرأي لا تعبر عن رأي موقع FilFan.com، بل تعكس وجهات نظر أصحابها فقط.