هل لابد أن تنزل كلمة النهاية مع زفاف الأبطال ، وتتحقق الآمال ؟ هل على المخرج أن يروي "حدوتة حلوة"؟ يأكلها المشاهد مع المسليات ، ليترك السينما منشرح الصدر ، راضياً عن كل شيء؟! وماذا سيحدث إذا تفرق الحبيبان؟!
تلك التساؤلات أظنها تأتي على بال كل مخرج وهو يدخل الاستوديو في أول يوم تصوير ، ويقفز إلى عقل كل كاتب وهو يبدأ كلماته الأولى ، لكن ترى كيف يجيب عنه؟ هل الموقف الدرامي هو ما يشكل الأحداث؟ ويكون العقدة الروائية للمؤلف؟ أم المزاج الجماهيري وإيرادات الشباك؟
إذا نظرنا إلى تاريخ السينما المصرية ، سنجد أغلب الأقلام تحرص على النهاية السعيدة بشكل مستفز ، مما يدفع المخرج والسيناريست إلى اختلاق العديد من الأحداث لتفصيل نهاية تعجب الجمهور ، لكن هل يريد الجمهور حقاً تلك النهايات الساذجة؟
نماذج بسيطة هي التي حلقت خارج هذا المدار التقليدي ، وكانت من النجاح بحيث تثبت أن النهايات غير السعيدة ليست خللاً فنياً ، أو سبباً رقابياًَ سيمنع الفيلم من العرض ، ولعل أفلام من أقوى ما قدمته السينما المصرية شاهدة على ذلك ، ومنها الأرض ، وشيء من الخوف ، وجعلوني مجرماً.
على المستوى العالمي الأمر أفضل قليلاً ، فتلك النهايات تكاد تكون تقليدية ، تفرضها الضرورة الدرامية ، فتأتي مناسبة لسير الأحداث ، ويتقبلها الجمهور ، وتحقق نجاحا يفوق بكثير تلك الأفلام ذات "الذيل المبهج" في آخر مشاهدها ، ولعل النجاح الأسطوري لفيلم مثل "تيتانك" أو titanic وفيلم "المصارع" أو gladiator، و"قلب الشجاع" أوbrave heart برهان قوي على أن تلك "التيمة" التي ينفر منها منتجينا وصناع السينما المصريين ، ليست بهذا السوء الذي يرهبهم من استخدامها.
الموجة الكوميدية التي اجتاحت السينما المصرية منذ صعود هنيدي ورفاقه ، كان من المستحيل أن تتضمن مثل النهايات ، ولكن بعد أن بدأت بعض الأفلام تبتعد عن تلك الموجة ، بدأ معها المخرجون يكتشفون أن الجمهور يريد أفلاماً يفكر معها ويشعر بها مثلما يسعد بأفلاماً يضحك عليها ، وهذا هو ما جعل بارقات من الأمل تلوح ، خاصة مع جيل جديد من المخرجين قرروا الإستفادة بتراث من سبقوهم مع مزجه بالجديد في صناعة السينما.
عام 2004 ضم فيلمين من أنجح أفلام هذا الموسم ، وهما "تيتو" و"اسكندرية- نيويورك" ، فـ"تيتو" طارق العريان ، كانت نهايته بقدر ما هي مأساوية ، إلا أنها منطقية ، تقبلها الجمهور بصدر رحب ، مقتنعاً من داخله أن البطل في نهايته بشراً ، يموت ويقتل ، وبقدر ما كانت رغبة الجمهور المتعاطف مع البطل هي نجاته ونجاحه حتى اللحظة الأخيرة ، بقدر ما كانت سعادتهم بهذه النهاية الجديدة عليهم ، والتي أحترمت لمرة واحدة رغبتهم في سينما فن وليست سينما "حواديت".
كذلك كان الأمر مع "إسكندرية – نيويورك" والذي كانت نهايته قاتمة ، إلا أنها المعبرة عن واقع شاهين مع حلمه الأمريكي القديم ، وعن علاقتنا كعرب بأمريكا ، وإن كانت نهاية شاهين لم تلق نفس نجاح نهاية السقا مع العريان ، لكنها النهاية الأفضل من الناحية الدرامية والواقعية ، وإن كان الحديث عن الواقع شيء هامشي مع شاهين.
نجاح هاتين التجربتين كان له صداه في عام 2005 ، وظهر فراق الحبيبين في الصياغة الكوميدية لفيلم "نساء محرمات" لمحمود ذو الفقار عام 1959 في "فرحان ملازم آدم" أول بطولة لفتحي عبد الوهاب ، كانت نهاية فرحان أبسط من نهاية شبيهه ، إلا أنها كانت نهاية منطقية ، خاطبت عقول رأتها الأنسب والأفضل.
التجربة الأنجح بين أفلام النهايات الحزينة ، هي لفيلم "أنت عمري" للمخرج خالد يوسف ، والذي قدم في هذا الفيلم كماً ميلودرامياً لم يعتده المشاهد المصري منذ فترة طويلة ، وكان كفيلاً بتنفير أي مخرج من وضع نهاية حزينة ، خاصة بعد أنهار الدموع التي انهمرت على وجوه أبطال الفيلم ومشاهديه ، إلا أن خالد يوسف كان موفقاً في إكمال جرعة الحزن حتى النهاية.
أنا لست مع الحزن ، ولا أدعو لاحتراف أفلام الكآبة ، ولكني أتمنى احترام المخرجين لعقولنا ، ليس عيباً أن يموت "البطل السوبرمان" ، أو أن يخسر معركته في النهاية ، وليست مشكلة أن نعترف أن الشر يكسب أحياناً ، أو أن العاشقين لابد أن يفترقا..
يا أيها المخرجون ، نحن لا نريد أفلاماً نسمعها قبل خلودنا للنوم... كفانا نوماً.