فقط لا تأخد الموضوع على أعصابك، نحِ الثورة جانبا ولا تعتبر الأمر مرتبطا بالثورة كما نطالب دائما بعدم الربط بين كل كارثة بالثورة.. الآن، احكم على قرار منع إذاعة أغنية "مطلوب زعيم" في ماسبيرو بسبب كلمة "دكر".
نقاط عديدة تجعل القرار صائبا، بل تجعل انتقاد الوزير واجبا لتأخره في القرار. مبدئيا من الضروري التنويه إلى أن ماسبيرو -اتحاد الإذاعة والتليفزيون- كمثله من البيئات الحكومية التي لوثها الروتين والمحسوبية والبطء،، لكن مضاف إليه أنه يؤثر في الرأي العام.
ولذلك أقدر الغضب الذي اجتاح مشاعر الكثيرين فور صدور القرار، خاصة بالنظر إلى سوابق الإعلام الرسمي من تأييد لكل من هو حاكم ورفضه لبدايات الثورة، لكن سأضع في اعتباري أنكم لم تربطوا الأمر بالثورة كما طلبت منكم في البداية، على أن تعلموا أيضا أن أي رأي لا يقصد به أن ماسبيرو على المسار الصحيح، هيا بنا..
الإعلام الرسمي ليس ولم ولن يكون في يوم من الأيام ومهما طالته الحرية والمهنية مثل الإعلام غير الرسمي، لأن إعلام الدولة - الذي يمثل الشعب - شاء أم أبى هو مرتبط بمبدأ أن الحرية مسؤولية، وأن ليس كل ما يقال في البيت والشارع يمكن أن يقال في الإعلام الرسمي الذي يمنح الشرعية لأي كلمة بمجرد ظهورها عليه.
من الواجب أن ندفع التليفزيون والإذاعة المصرية ليعبرا عن الشعب، لكن من غير المنطقي أن ننتظر أن يصبحا مثل "ON TV" أو غيرها من القنوات الخاصة لأكثر من سبب: أولها أن السياسة الإعلامية لكل مؤسسة مختلفة، فلا مجال للمقارنة من الأساس.
ثانيا: أن الجمهور المستهدف لكل مؤسسة إعلامية يختلف، ويترتب على ذلك اختلاف الأسلوب الذي توجه من خلاله الرسالة.
بالعودة إلى أغنية "مطلوب زعيم" للفريق الثوري "كايروكي"، وبالنظر إلى معايير المهنية لدى مؤسسة هيئة الإذاعة البريطانية "BBC"، فيما يخص ما يشبه الموقف هنا وتحديدا في الفصل الخامس المرتبط بـ"Harm And Offence"، نجد التالي:
تتسبب اللغة القوية في إيذاء المشاعر إذا استخدمت بدون هدف معين، أو إذا ضمت الآتي:
سباب جنسي، عبارات عنصرية، عبارات تشير إلى الإساءة الجنسية، عبارات تشير إلى الإعاقة أو المرض.
المضمون ونبرة الصوت من مفاتيح تحديد إن كانت اللغة القوية مقبولة أو غير مقبولة وتعد مسيئة، ويجب وضع الآتي في الاعتبار:
* اللغة التي قيلت بها الجملة، من استخدمها، لمن وُجهت، ولماذا قيلت؟
* كيف قيلت؟ هل كانت النبرة غاضبة وعنيفة أم ساحرة ولطيفة؟ فالكلمة نفسها يمكن أن تعتبر أقل إساءة بناء على نبرة صوت المرسل وشخصيته.
* اللهجة القوية قد تكون مقبولة عندما تستخدم لهدف واضح، لكن الجمهور لا يحب الاستخدام غير المفيد لها.
وإذا قمنا بتطبيق المعايير المشار إليها على أغنية "مطلوب زعيم"، سنجد أن كلمة "دكر" و "ويقطعوا في عين اللي جابه واللي جاب أبوه" تعد ضمن عامية الكلام أو Slang، وكلمة "الخازوق" تحمل إشارة سيئة مع نبرة الصوت ومحاولة التمهيد لها بكتمان الموسيقى لمنحها دلالة أقوى.
الإذاعة المصرية لا تتجه لفئة معينة من الجمهور بل للجميع، لذا فإن نسبة المستمعين من الأطفال أو الشيوخ الرجال أو النساء الثوار أو الفلول، لن تفيد في شيء.. في كل الأحوال لابد من مراعاة معايير الرسمية والاتزان في إطار ضابط.
منع إذاعة الأغنية أثار جدلا غير مستحق بسبب عدم ثقة الجمهور في الإعلام الرسمي، ولأن الأغنية لفريق "كايروكي" الثوري، ولأن الأغنية في مجملها تحمل مطالب تنادي بها الثورة وبلغتنا، ولأن كلمة "منع" كونت في أذهاننا صورة قمعية "عمال على بطال"، رغم أن الأمر هنا لا يعدو كونه حفاظا على تقاليد.
حتى لا ننسى..
الأغنية صدرت تقريبا منذ ثمانية أشهر، وعلى مدار هذه الفترة تذاع في البرامج الإذاعية المختلفة ويترك للمذيع أو المخرج تقدير إذاعتها من عدمه حتى سمعها، كيف يسمح بإذاعتها لما يقرب من عام ثم ينظر لأنها غير لائقة بطريق الصدفة؟ وما هي معايير إجازة أو منع أغنية؟ وهل هناك بالأساس قواعد تحكم اختيار الأغنية من عدمه؟ وإن كانت موجودة فلماذا لم يتم الإشارة إليها مع القرار؟
لكل مؤسسة إعلامية سياسة وأهداف، مؤسسة تخدم أهداف الثورة، وأخرى تلعن في الثورة، وثالثة تخدم مصالح صاحبها أو ممولها، ماسبيرو قبل الثورة سياسته هي حماية النظام الحاكم وتأييده .. فما هي سياسته بعد الثورة تحديدا؟
هل أغنية "مطلوب زعيم" هي الوحيدة التي رأي المسؤولون أنها مبتذلة أم أن باقي الهراء متروك للصدفة أيضا كي يمنع؟ وألا يرى المسؤولون أن المذيعين أنفسهم يقولون في بعض الأحيان ماهو أشد ابتذالا؟
الفوضى الإعلامية مستمرة ..
سواء اتفقت أو اختلفت ..
ناقشني على تويتر
أو فيسبوك
للاطلاع على معايير BBC