إذا كانت بعض الكلمات من بعض الفنانين قد أفسدت علاقتنا بدولة شقيقة قبل عامين، فإن هذه المرة ستُفسد علاقتنا ببعضنا البعض.
فحديث بعض الفنانين عن السياسة والثورة هو أبشع ما يتم تقديمه في رمضان، وأكثر بشاعة من المسلسلات التي تدور أغلبها بين نطاقي الملل والسخافة، وأيضا أسوأ من الإعلانات التي تضر المنتج أكثر مما تفيده، والتي نراها بشكل إجباري في كل رمضان.
والحوارات السياسية للفنانين حاليا تشبه تماما تلك التي رأيناها قبل عامين، حين عبر كل فنان "تقريبا" عن رأيه في الأزمة الشهيرة بين مصر والجزائر، وهنا لا نبحث فيما قُتل بحثا عن الدولة التي اخطأت بحق الأخرى، بقدر ما نُذكر بما فعله الفنانين وما قاموا به من تضخيم للأزمة بتصريحاتهم غير المسئولة.
فما صرح به بعضهم وقتها من تصريحات "حنجرية" تضمنت تجريحا صريحا بحق أشقائنا بالجزائر، كان السبب الأكبر في إتلاف علاقتنا بأشقاء لنا، قبل أن نسترجع تلك العلاقة "نسبيا" بعد الثورة، التي لا تنال إعجابهم ويحرصون على انتقادها من الحين للآخر!
ولعل حديثهم حاليا عن الثورة والثوار، وانتقاد الثورة بشكل عام أو التحفظ على بعض جوانبها، أسوأ بكثير مما حدث من قبل، لأنه يساهم في خلق "فتنة فكرية" بين طوائف الشعب، وهي الفتنة المتواجدة أصلا بعد الثورة، "للأسف".
بالطبع لا أحجر على آرائهم، فهم فصيل من الشعب له الحق في الحديث عما يشاء، وأيضا لا يُقلقني انتقادهم للثورة والثوار، فالاختلاف في الرأي ليس هو الأزمة، الأزمة في الطريقة.
أعلم جيدا أن نجوم هوليوود أو غيرهم على مستوى العالم لهم آراء سياسية، ويُعلقون دائما على المستجدات السياسية في بلادهم، ولكنهم بالتأكيد لا يتحدثون بمثل هذه الطريقة!
فالأزمة تتلخص بأن التصريحات التي يفاجئنا بها أغلب الفنانين من الحين للآخر أبعد ما تكون عن الحقيقة، ومهما تنوعت فهي تدور في فلك 3 فئات فقط، الفئة الأولى تُعطي أحكاما ليست صحيحة ولا تستند على أي دليل، والفئة الثانية تقوم بشرح وتحليل الثورة، وتتحدث عن ملامح المرحلة المقبلة، وتستخدم مصطلحات أشك إذا كانوا في الأصل يستوعبون معانيها، أما الفئة الثالثة فتقوم بإطلاق تصريحات تصلح أن تكون كوميدية أكثر منها سياسية.
دعونا نرى نماذج للفئات الثلاث ..
أحد القنوات الجديدة استضافت فنانة كبيرة، وتركز الحديث عن الثورة وعن الرئيس السابق، على الرغم من أنها ترتبط بعلاقة نسب معه، وقد فاجأتنا الفنانة الكبيرة بتصريحات غريبة!
حيث صرحت بأنها ضد محاكمة مبارك، لماذا؟ لأنه قد تخطى الثمانون عاما! ولم تكتف الفنانة بذلك، بل أكدت أن الدين يُعفي من تعدى الثمانون من عمره من المحاكمة.
كما لم تنس الفنانة الكبيرة الجملة المأثورة التي دائما ما تُقال في مثل هذا الموقف، أنها تعترف بفساد مبارك، وأنها رغبت في إنهاء فترته الرئاسية أثناء الثورة، ولكنها ترفض إهانته حتى لا تحكي لأطفالها أن الرئيس السادات قُتل على يد متطرفين، والرئيس مبارك تمت إهانته.
فنانة أخرى دخلت المجال التمثيلي عن طريق عملها كراقصة، تحدثت مع إحدى الصحف عن عملها الجديد في رمضان، وكيف وافقت وتنازلت عن بعض الأموال من أجرها من أجل عرض العمل، وأنها فعلت ذلك من أجل عجلة الإنتاج!
وجاء تصريحات تلك الفنانة "الراقصة" مستفزة إلى حد كبير، فلا هي تنازلت وخفضت أجرها، ولا أيضا فكرت في "العجلة" عندما تفاوضا على أجرها في العمل.
فخفض أجور الممثلين بعد الثورة أمر إجباري وليس اختياري، وجميع العاملين بالمجال رضخوا لذلك لأنه لا يوجد حل آخر أمامهم، لذلك فلا فائدة من التصريحات التي تخدع الجمهور.
الفئة الثالثة من التصريحات، على الرغم من أن بها أكثر من اسم، إلا أن اسما واحدا يظل دائما هو الأجدر بأخذه كمثال.
المطرب والملحن الذي استحق لقب "مطرب الفلول" دونا عن غيره، لا يكل ولا يمل عن تصريحاته بخصوص الثورة والثوار، ولكن هذه المرة الأمر تطور إلى حد كبير.
فعلى الرغم من أن المطرب والملحن له العديد من الحوارات بعد الثورة يتحدث بها في الشق السياسي، إلا أن تصريحاته على إحدى القنوات المصرية الفضائية الخاصة جاءت مثيرة للجدل لحد كبير.
المطرب والملحن في هذه المرة ركز بشكل أكبر على أن الثورة تمت بأيادي أمريكية واسرائيلية، وأن ما حدث هو في صالح اليهود والأمريكان، وقاموا باستغلاله بشكل يُفيد مصالحهم، ودعم الملحن تصريحاته بأدلة.
الدليل الأول الذي ذكره إن الهتاف الشهير للثوار "الشعب يريد" هو هتاف يهودي الأصل، حيث أن كلمة "يُريد" هي كلمة يهودية، وأن جميع المسلسلات التي تتواجد بها شخصيات يهودية، دائما ما تحتوي على هذه الكلمة.
الدليل الثاني هو أن أحد شركات المياة الغازية أطلقوا حملة دعائية قبل الثورة تحمل شعار "عبر مين قدك"، واعتبر ذلك تحريضا على الثورة، كما أنه ذكر إعلانا للشركة يذكر أن الأخيرة تتواجد بالأسواق العالمية منذ 125 عام، وقام الملحن بتحليل رقم 125 على طريقته، وقال إن ذكر الرقم بهذه الطريقة يحمل إشارة معينة، وأنهم يقصدون 25/1، وهو الموعد التي قامت فيه الثورة.
فضلا عن تصريحات أخرى بالبرنامج ذاته، قال فيها إن المشاهد التي تظهر عربات الأمن الأمركزي تدهس المتظاهرين، ما هي إلا "مشاهد فوتوشوب"، وأن أغنيات الثورة تهدف إلى تقليل الانتماء الوطني.
وهنا يأتي السؤال، هل يُعقل هذا؟ هل يصح أن نستمع لتلك التصريحات؟ وهل مطلقو هذه التصريحات لا يعلمون خطورتها في الوقت الحالي.
التصريحات الجيدة العقلانية بالتأكيد مُرحب بها، ولكنها للأسف ليست موجودة فيما نشاهده ونسمعه ونقرأه، والشعب لا يجد سوى التصريحات السابقة التي ستُحدث فتنة بين طوائفه.
ولكي نكون موضوعيين، فإن هذه ليست مسئولية الفنان الذي يطلق هذه التصريحات وحده، فالبرامج التي تسمح بهذا مخطئة، والحديث بهذا الشكل المبالغ فيه عن السياسة والثورة أمر غير مقبول.
وجود الثورة في البرامج برمضان أمر طبيعي، باعتبارها الحدث الأهم في مصر الفترة الأخيرة، وربما في تاريخ مصر الحديث كله، ولكن هذا الكم من التصريحات المستفزة يُفسد ذلك، ونستنتج منه أنه لا أحد في هؤلاء قادر على الحديث عن الثورة بعقلانية.
اتركوا الثورة لحالها، فالثورة لم تقم من أجل أن تصبح مادة تتحدثون عنها بهذا الشكل.
رحم الله نجاح الموجي..
تابعني على Facebook
وعلى Twitter
ناقشني على msaleh@sarmady.net