قررت أن أخصص تلك المساحة للحديث عن الست أم إبراهيم ...وهي سيدة ربما لا يتذكرها أو يعرفها أحد.. هي تلك السيدة البسيطة الحنونة التي استضافها الإعلامي / عمرو الليثي في برنامجه المتميز "واحد من الناس".. وهي التي رفضت من فرط عزتها وكبريائا أن تقول لمستضيفها في بداية الحوار "إنها تعبانة" رغم أنها في حقيقة الأمر كفيفة وبها العديد من الأمراض. هي تلك السيدة الفقيرة إلى الله والمسنة التي لا تجد من يقوم على خدمتها، وتسكن بمكان تعد العشوائيات إلى جواره جنة، أقل ما يقال عنه أنه غير آدمي.
هي السيدة التي ذكرت اسم الله كثيراً، وحمدته على نعمة الستر.. فهي تملك هذا الإيمان الذي يمنح السكينة للقلوب.. كل ما تتحصل عليه هذه السيدة 50 جنيه شهرياً فقط، أكررها 50 جنيه شهرياً تصرفهم من خزينة المعاشات، وتحمد الله على هذا النعمة وتدعوه أن يحفظها من الزوال!!! حتى عندما سألها عمرو الليثي عما تطلبه في نفس الحلقة ..حمدت الله ولم تطلب شيء.....أي سيدة هذه التي توفاها الله بعد ذلك...لتترك لنا الكثير من علامات الاستفهام.
دعوني أخبركم عنها، فهي سيدة ظلمتها عنجهية وغطرسة وفساد سيدة أخرى تدعى "أم جمال".. أم جمال التي أفسدت نظام كامل وكانت تريد إفساد الأمة بحالها.. وصل بها الفساد والتهور إلي حد أنها كانت تسافر إلى باريس ليس لشيء سوى تناول العشاء هناك، والعودة بعد ذلك...أم جمال التي كانت ملء السمع والأبصار.. والتي دبرت وخططت لجمال إبنها المدلل ليحكم شعب ويستعبده كما استعبده أبوه طيلة 30 عاماً....ولا أستطيع أن أكتب عن فساد أم جمال...لأنه يحتاج إلى كتب ومجلدات، بل إلى موسوعات ومن الممكن أن نبني له مكتبات خاصة به وحده!
لكي تكتمل المنظومة لابد من الحديث عن الست أم محمد.. وهي سيدة معروفة خيّرها النظام إما الاعتقال أو مغادرة البلاد..فقررت المغادرة...تاركة وطن أحبته لكنه لم يبادلها نفس الشعور أو كما صوروا لنا جميعاً إن مصر لا تحبنا بل تحبهم هم ومن على شاكلتهم...جلست معها في أفخم مطاعم نيويورك تتحدث عن العمل والفن ومصر ولاحظت في عينيها ذلك الحزن الجميل والكبرياء عندما بادرتها بالسؤال عن وقت العودة.. صورت لي إن مصر لم تعد مكانا جميلا لأن ميزان الجمال أصبح يميل تجاه أمريكا ودبي.. كنت أعرف جيداً أنها لا تريد الحديث...لا تريد أن تقول إن الفاسد ينتصر على الشريف لمجرد إن أم جمال لا يروق لها كلام أم محمد في الحوارات الصحفية.. تركتها وأنا أعرف أنها واجهت ظلما فادحا، لكنني لم أكن أعرف كيف أساعدها.. تركتها في هذا إليوم وأنا أفكر هل يأتي يوما وتعود؟
ومرت السنوات ومحمد ابنها عندما يريد أن يرى أمه يسافر لها...نعم هو شاب في بداية العشرينات أبسط شيء يتمناه هو أن يعود من الجامعة فيجد أمه في البيت تنتظره ليتناولا الغذاء معاً، لكن يد الغدر والفساد قررت أن يعيش وحيدا، كان يحتاج لقطع أكثر من 18 ساعة سفر لرؤيتها لا لذنب جناه سوى أن الست أم جمال كانت تغتاظ من ماركات هدوم الست أم محمد "ونبي دا كلام ناس عاقلة؟".
في ديسمبر الماضي جمعتني الصدفة بها، وجلست أحكي لها عن محمد وهو يخرج أول أفلامه وأخبرتها عما قاله عنها بعد العرض الخاص.. فرحت ثم بدأت في البكاء وكنا نستعد لحضور حفل افتتاح مهرجان دبي.. حدثتني وقتها كيف أنها عندما تشتاق إليه ترى صوره على الفيسبوك أو في الألبومات القديمة التي تحتفظ بها .. تأثرت كثيرا بحديثها ودموعها لدرجة أنني تركتها وذهبت دون أن أكمل حديثي لها حتى الآن.
أم جمال ظلمت الإثنتين بفسادها ونفوذها.... قتلت الأولى بعد أن فقدت بصرها وماتت فقيرة إلى حد لا يتصوره أحد لتسرق أم جمال المليارات...وظلمت الثانية بقتل المشاعر والأحاسيس لتلعب أم جمال مع أحفادها وتستمتع بلم شمل العائلة بل وتحتفل بأسبوع فريدة.....كانت أم جمال تنادي بدور المرأة وهي التي حرمت الإتنتين من أن يكن لهن دور من الأساس مع الفارق الاجتماعي الشاسع بين أم إبراهيم وأم محمد....كانت أم جمال لا تفرق في ظلمها.. ولكن لكل ظلم نهاية.
رحم الله أم ابراهيم ومبروك لأم محمد حريتها وعودتها !!!