حرب كبيرة ستشهدها الساحة الغنائية خلال الفترة المقبلة وهذه المرة ليست بين مطرب ومطرب آخر أو شركة إنتاج ومطرب، ولكنها ستكون حربا يناضل فيها الشعراء والملحنين لنيل حقوق لم يكونوا على علم بها، بالإضافة إلى شركات الإنتاج الكبرى التي تناضل أيضا، ولكن للبقاء والاستمرار في الساحة الفنية في ظل تدهور الصناعة وتراجعها في الفترة الأخيرة.
في خطوة كانت الأغرب والأجراء من نوعها تجمع أكثر من عشرين من أهم صناع الموسيقى في مصر والعالم العربي، تحديدا في مجالي كتابة الأغاني والتلحين، رافضين الأوضاع غير الصحيحة داخل جمعية المؤلفين والملحنين، واتهموها صراحة بالتهاون وعدم الحفاظ على حقوقهم أمام هيمنة شركات الإنتاج الفني.
هؤلاء المناضلون شعروا بالظلم لضياع مستحقاتهم عن إبداعاتهم التي قدموها للفن بعد أن علموا أن شركات الإنتاج حصلت ولازلت تحصل من خلال أعمالهم على مبالغ طائلة من مصادر أخرى بخلاف طرح أعمالهم في الألبومات أو تصويرها، وغيرها من طرق تسويق واستغلال أعمالهم ماديا.
ولكن بعد مطالبة الشعراء والملحنين بحقوقهم في هذه المكاسب، مما يعني أن هذه الجهات الإنتاجية لن تقبل بسهولة بمطالب الفنانين، وستحاول الضغط في الاتجاه المعاكس حفاظا على مكاسبها، ولو عن طريق إثارة الجدل والدخول في مهاترات كلامية.
حرب قوية ستستمر لفترة طويلة ولن يتحدد فيها فائز أو خاسر إلا في النهاية ولكن من المؤكد أن الفترة المقبلة ستشهد تغيرات كثيرة في ساحة صناعة الموسيقى ليس في مصر فقط بل وفي العالم العربي أيضا.
وسنكون أمام سيناريوهين مختلفين لنهاية هذه القضية:
الأول: فوز الشعراء والملحنين في هذا الصراع، مما سيترتب عليه أن ترد شركات الإنتاج هذه الملايين لهم من مكاسبها، وفي هذه الحالة سيقل إنتاجها أكثر من الوقت الحالي، بل ومن الممكن أن يكون هذا سببا في إغلاق بعضها وعدم تمكنه من مواصلة العمل.
الثاني: فوز شركات الإنتاج في الصراع، وهو ما سيعني توقف عدد كبير من أهم الكتاب والملحنين من التعامل مع هذه الشركات، وهى أسماء ليست صغيرة في الساحة، على العكس فإن المتابع للموضوع سيكتشف أن المهتمون به والذين تحملوا عبء المطالبة بهذه الحقوق لهم ولغيرهم من الفنانين، أسماء كبيرة ومؤثرة ولا يخلو عمل من أسمائهم، ولا يمكن استبدالهم بمواهب جديدة، بخلاف ذلك سيأتي وقت على الجدد أيضا ويطالبون بحقوقهم أيضا ويظل الصراع في دائرة مغلقة.
وربما تحاول شركات الإنتاج في الفترة المقبلة، وأمام هذا الضغط التوصل لحل، ولكنه من المؤكد سيؤثر على مجال الموسيقى، فمن سيستطيع منهم الاستمرار سيقلص عدد المطربين التي تنتج لهم أعمالهم، ومن لن يستطيع سيضطر للتوقف عن العمل، والاكتفاء بما قدمه على مدار السنوات الماضية، ومشاهدة ومتابعة الموقف من الخارج.
ومن المؤكد أيضا أنه ستحدث عملية "غربلة" للمطربين أو انتقاء فلن يستمر على الساحة ومع الشركات سوا المطربين الذين تحقق أعمالهم نجاحا حقيقيا، وتستطيع الشركة أن تستفيد من نجاحهم، أما أنصاف المواهب فلن يكون لها مكان أو حتى أشباه المطربين الذين ظهروا وبكثافة في الفترة الماضية، إلا من سيقدم منهم أعماله على طبق من فضة للشركات على نفقه الخاصة، كما يفعل البعض حاليا تضامنا مع شركات أخرى، ولكنه سيكون وضع أساسي بالنسبة له لا بديل عنه.
في النهاية نأمل جميعا أن يحل الصراع بطرق ودية لا يتم فيها التشهير بأحد ولا التقليل من شأن أحد، ونأمل أن تظل الساحة الفنية دائما جميلة وراقية تضم المواهب الحقيقية وترعاها، ولا تضم من نخشى على أبنائنا من الاستماع له أو مشاهدته، حتى وإن فرغت الساحة من نصف من هم فيها حاليا.
وأعتقد أن إعادة النظر في كثافة الإنتاج الفني حاليا أصبح أمر ضروري، حان وقت الانتقاء لتستمر المواهب الحقيقية فبالتأكيد سنتمكن من رصدهم ومتابعة الجيد، فتنتعش الصناعة، لأن المستمع لن يكون أمامه عددا هائلا من الألبومات التي يحتار في شراء أي منها، فيكون الحل اللجوء لطرق أخرى للاستماع إليها.