الأفلام المستوحاة من قصص وأحداث حقيقية دائمًا ما تكون مميزة ولها وقع مختلف على المشاهد، صحيح أنها أصبحت موضة لدى صُناع السينما في هوليوود خلال الأعوام الأخيرة، حتى أن العام الماضي كان هناك أكثر من ثمانية أفلام مرشحة لجوائز الأوسكار جميعها مأخوذ عن قصص واقعية، لكن تظل هذه النوعية من الأفلام تجذب محبي السينما، وفيلم Adaptation هو واحد من هذه الأفلام الذي يقدم أحداث حقيقية ولكن بمعالجة غير تقليدية تتجاوز بمراحل القصة الأصلية.
فالفيلم الذي أنتج عام 2002 ومأخوذ عن كتاب للصحفية سوزان أولين بعنوان "سارق الأوركيد"، يدور حول السيناريست الحقيقي الذي كُلف بتحويل النص الأدبي إلى فيلم سينمائي. تبدأ القصة مع "تشارلي كوفمان" الذي جسده نيكولاس كيدج، الكاتب غريب الأطوار، الذي يواجه مشكلة كبيرة في كتابة فيلم مستوحى من قصة سارق الأوركيد، إذ أنه على مدار أشهر لم ينجح في إنجاز صفحة واحدة من سيناريو الفيلم، لأن الكتاب لا يحتوي على خط درامي واضح، ويدور فقط حول معلومات عن أزهار وأنواعها المختلفة.
تتطور الأحداث وتأخذ منحنيات درامية مختلفة، خاصة مع محاولات تشارلي في التعرف على الصحفية سوزان مؤلفة الكتاب والتي تؤدي دورها ميريل ستريب، كما أنه يلجأ إلى أخيه لمساعدته في الكتابة، فيتغير مسار القصة وتؤول إلى نهاية من الصعب توقعها.
وهنا تأتي عبقرية الكاتب الحقيقي "تشارلي كوفمان"، الذي رشح لأربعة جوائز أوسكار ونالها عن فيلم Eternal Sunshine of the Spotless Mind، فهو استطاع أن يحول نص يدور حول الأزهار، لفيلم يبحث عن الأسباب التي تساعدنا على الاستمرارية في الحياة والدوافع التي تجعلنا نلهث وراء ما نعشق، فهو يعتقد كما ذكر على لسان كيدج في الفيلم "الدافع وراء عشق شيء، هو ما يجعل العالم ملموس ويبدو أكثر نبضا بالحياة".
وهذه ليست المرة الأولى التي يستطيع فيها كوفمان إبهارنا، فهو دائمًا يتميز بطرح قصصه بطريقة مبتكرة لا تستطيع معها أن تتوقع الأحداث، وتجربته السابقة لفيلم Adaptation أكبر دليل على ذلك. فقد كتب قصة فيلم Being John Malkovich الذي رشح لثلاث جوائز أوسكار من ضمنها جائزة أفضل نص سينمائي، وتعاون فيه مع نفس مخرج فيلم Adaptation سبايك جونز، حتى أن بداية الفيلم تكون بتصوير داخلي لأحد مشاهد فيلم Being John Malkovich.
أداء نيكولاس كيدج لشخصيتي التوأم "تشارلي ودونالد كوفمان" كان مميزا، إذ أنه أتقن تفاصيل الشخصيتين، فشخصية "تشارلى" الكاتب العاقل، الذي يعانى من أزمة منتصف العمر، بسبب أنه بدين وغير اجتماعي حتى أنه يتصبب عرقًا حين يتحدث مع سيدة جميلة، ظهرت متناقضة تمامًا مع شخصية أخيه "دونالد" الجريء المغامر الذي لا يبالي بنظرة المجتمع له. كما قدمت ميريل ستريب شخصية الصحفية "سوزان أولين" ببراعة شديدة، فالشخصية يطرأ عليها الكثير من التحولات بسبب علاقتها مع بطل كتابها "جون لاروش" الذي لعب دوره الممثل كريس كوبر، والذي استحق الفوز بجائزة الأوسكار كأفضل ممثل مساعد عن الفيلم.
سبايك جونز مخرج الفيلم، والمعروف له أيضًا بأفلام Her، وWhere The Wild Things، نجح في المزج بين العديد من الخطوط الدرامية على مدار ساعتين، فيستعرض العلاقة بين الكاتبة وبطل قصتها والتي تتخللها حكايات عن زهرة الأوركيد تشرح طبيعتها وتجعلنا نغوص في عالمها، دون أن تشعرنا بالملل، وفي نفس الوقت ينتقل لتشارلي وجون وما يدور في حياتهما خلال مرحلة كتابة السيناريو، فيحافظ على إيقاع الفيلم الذي لا تسير قصته في مسار معين.
في النهاية، فيلم Adaptation ليس واحًدا من الأفلام التي يمكنك معرفة نهايتها من منتصف الفيلم، فهو لأخر لحظة فيه سيفاجئك، بطريقة سرده للأحداث المختلفة والكوميدية في آن واحد.